التفاسير

< >
عرض

قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٣٨
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً } ووجه التّأكيد والتّكرير التّغليظ والتّطويل المطلوب فى مقام السّخط والتمهيد للوعد والوعيد الآٰتى وجميعاً حالٌ فى معنى التّأكيد كأنّه قال أجمعين ولا دلالة له على الاجتماع فى زمان الحكم بل له الدّلالة على عموم الحكم بجملة افراد المحكوم عليه فقط بخلاف مجتمعين فانّه يدلّ على الاتّفاق فى زمان الحكم { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } امّا ان الشّرطيّة وما الزّائدة لتأكيد الشّرط ولذا يؤتى بعده بنون التّأكيد، واتيان الهدى من الله امّا على لسان الرّسول الظّاهرىّ او الباطنىّ هذا على ظاهر المفهوم المصدرىّ من الهدى والاّ فالهدى حقيقة جوهريّة من شؤن النّفس الانسانيّة ولسان الرّسول الظّاهرىّ او الباطنىّ معدّ للنّفس، والمفيض فى الحقيقة هو الله، والمفاض حقيقة من الحقائق، والمفاض عليه هو النّفس الانسانيّة، وعلى هذا فالاتيان باداة الشّكّ فى محلّه لانّ تلك الحقيقة لا تحصل لكلّ فردٍ من الافراد، وكثيراً ما تحصل لشخصٍ ثمّ تسلب عنه ولذا أتى بالجواب جملة شرطيّة او كالشّرطيّة فقال { فَمَن تَبِعَ ُهُدَايَ } لفظة من شرطيّة او موصولة متضمّنة لمعنى الشّرط وتكرار الهدى للتّمكين فى القلوب وللتّرغيب فى الاتّباع بتصوير مفهومه الصّريح؛ ولتعليل الحكم بذلك، ويجوز ان يراد بالهدى الرّسول او خليفته فانّه لكونه متشئً بالهدى فكأنه لا حقيقة له سوى الهدى، او يراد معنىً أعمّ من الثّلاثة اى { فامّا يأتينّكم منّى } سبب هدايةٍ او حقيقة هداية أو هادٍ؛ { فَمَن تَبِعَ ُهُدَايَ } { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.
تحقيق بيان اختلاف الفقرتين من قوله { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.
الخوف حالة حاصلة من الاستشعار بورود مكروه وتوقّع وروده ويستلزمها انقباض القلب واجتماع الرّوح الحيوانيّة والحرارة الغريزيّة فى الباطن والقلب واحتراق دم القلب وتصاعد بخارٍ دخانىٍّ الى الدّماغ واحتراق الدّماغ وتولّد السّوداء والماليخوليا ان طالت مدّتها، ولمّا كان الخوف وارداً من الخوف منه على الخائف كأنّ المخوف منه فاعله والمخالف واقع عليه الخوف أخبر عن الجارّ والمجرور بعلى مع انّ القياس يقتضى ان يخبر عن المصادر بالجارّ والمجرور باللاّم او بمن اذا وقع الفاعل عقيب حرف الجرّ مخبراً به، وايضاً الخوف يقتضى الاستيلاء على النّفس بحيث لا تتمالك ويناسبه لفظ على، ويحتمل ان يكون المعنى لا خوف لغيرهم عليهم يعنى لا ينبغى ان يخاف عليهم وحينئذٍ فلا اشكال. والحزن حالة حاصلة من استشعار فوات محبوب فى الحال او فى الاستقبال ويستلزمه ايضاً انقباض القلب واجتماع الرّوح الحيوانيّة والحرارة الغريزيّة فى الباطن والقلب وسائر لوازم ذلك وقلّما ينفكّان وهكذا الغمّ والهّم فكان الحزن ينبعث من باطن الحزين من حيث انّه مستشعرٌ لفوات المحبوب وليس لورود امر من خارج وللاشعار بهذه اللّطيفة جاء بالقرينتين مختلفتين فانّ حقّ العبارة ان يقول فلا خوف عليهم ولا حزنٌ او فلا هم يخافون ولا هم يحزنون، ويستعمل الحزن من باب علم لازماً ومن باب قتل متعدّياً. والخوف والحزن ضد الرّجاء والسّرور فى الذّات وفى اللّوازم والآثار. وجواب الاشكال بانّ التّابع للهدى مؤمنٌ والمؤمن لا يخلو من الخوف والرّجاء وهما فيه ككفتّى الميزان وكذلك الحزن من لوازم الايمان كما فى الاخبار فكيف ينفى عنه الخوف والحزن يستدعى ذكر مقدّمات:
الاولى - انّ الخوف يطلق تارة على المعنى الّذى ذكر وتارة على معنىً اعمّ ممّا ذكر ومن الخشية والهيبة والسّطوة فانّ الانسان فى مقام الايمان التّقليدىّ وهو أنزل مقامات النّفس المؤمنة له خوف، واذا عرج الى مقام الايمان التّحقيقىّ بوجدان آثارٍ ما من الايمان فى نفسه وهو أعلى مقام النّفس المؤمنة ومقام القاء السّمع يتبدّل خوفه بالخشية، واذا عرج الى مقام القلب وهو مقام الايمان الشّهودىّ يتبدّل خشيته بالهيبة، واذا عرج الى مقام الرّوح وهو مقام الايمان التّحقّقىّ يتبدّل هيبته بالسّطوة، ولفظ الخوف قد يطلق على الجميع.
والثّانية - انّ تعليق الجزاء يقتضى اعتبار حيثيّة وصف الشّرط فى التّلازم.
والثّالثة - انّ المراد بالهدى هو النّبىّ (ص) او وصيّه (ع) او شأن من الله يظهر على نفس الانسان بواسطة البيعة مع أحدهما ومتابعته، او المراد بالهدى مثال احدهما يظهر على صدر الانسان بقوّة متابعته لهما.
والرّابعة انّ التّابع للنّبىّ (ص) او وصيّه (ع) اذا خلص متابعته له عن متابعة غيره يتمثّل المتبوع عنده بحيث ينجذب التّابع بتمام مداركه وقواه الى الصّورة المتمثّلة عنده ويأخذ ذلك المثال بمجامع قلبه ولا يدع مدخلاً ولا مخرجاً لغيره فلا يدع له ادراك الغير حتّى يستشعر بالتّضرّر منه فيخاف او بفواته فيحزن؛ فعلى هذا معنى الآية { فَمَن تَبِعَ ُهُدَايَ } بحيث يتمثّل الهادى عنده { فَلاَ خَوْفٌ } عليه ولا حزن من حيث انّه تابع وان كان قد يخرج من تلك الحيثيّة فيدخله حينئذٍ خوف وحزن.
وقد عدّ الخوف والحزن من صفات النّفس وهو خارج عن مقام النّفس وهذا التمثّل هو الّذى قالته الصّوفية من انّ السّالك ينبغى ان يجعل شيخه نصب عينيه بحيث لا يشتغل عنه بغيره ومقصودهم انّ السّالك ينبغى ان يتوغّل فى الاتّباع حتّى يتمثّل المتبوع عنده لا ان يتكلّف ذلك من غير اتّباع، فانّه كفر وليس الاّ فى النّار وقد قيل بالفارسيّة.

جمله دانسته كه اين هستى فخ است ذكر وفكر اختيارى دوزخ است

فانّ الفكر فى لسانهم عبارة عن تمثّل الشّيخ عند السّالك والمراد بالاختيارىّ هو الّذى يتكلّفه السّالك ويتراءى انّ الفكر الغير الاختيارىّ كالاختيارىّ اشتغال بالاسم وغفلة عن المسمّى وهو كفر شبيه بالاشتغال بالصّنم لكن هذا من جملة الظّنون فانّ الصّورة المتمثّلة اذا كان بقوّة المتابعة لا تكون الاّ مرآة لجمال الحقّ الاوّل تعالى ولا يكون فيها حيثيّة سوى كونها مرآة والمشتغل بها عابد للمسمّى بايقاع الاسماء عليه لا محالة، لا انّه عابد للاسم والمسمّى او للاسم فقط فهو موحّد حقيقىّ، وقد قالوا: انّ ظهور القائم (ع) فى العالم الصّغير عبارة عن التمثّل المذكور لانّ كلّما ذكروه فى ظهور القائم (ع) يحصل حينئذٍ فى العالم الصّغير وقد نظم بالفارسيّة اشارة الى هذا التمثّل:

كرد شهنشاه عشق در حرم دل ظهور قد زميان بر فراشت رايت الله نور
هركه دراين ره شتافت باقدم نيستى هستى جاويد يافت ازتو ببزم حضور
وانكه جمال توديد جام وصالت جشيد باده كوثر نخواست ازكف غلمان وحور

او معنى الآية فلا خوف عليهم فى الآخرة، او لا خوف لغيرهم عليهم، ولا هم يحزنون فى الآخرة، ونظير هذه الآية ذكر مكرّراً فى القرآن ونذكر فى بعض الموارد ما يليق به.