التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ
٨
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ } لمّا انساق ذكر الكتاب الّذى هو اصل كلّ الخيرات وعنوان كلّ غائب وغائب كلّ عنوان ومصدر الكلّ وكلّ المصادر والصّوادر اعنى كتاب علىّ (ع) الى ذكر المؤمنين وذكر قسيمهم اعنى المسجّل عليهم بالكفر اراد ان يذكر المذبذب بينهما أعنى المنافق المظهر للايمان باللّسان المضمر للكفر فى القلب تتميماً للقسمة وتنبيهاً للامّة على حال هذه الفرقة تحذيراً لهم عن مثل أحوالهم بل نقول كان المقصود من سوق تبجيل الكتاب الى ذكر المؤمنين واستطرادهم بالكافرين ذكر هؤلاء المنافقين الّذين نافقوا بولاية علىّ (ع) خصوصاً على ما هو المقصود الاتمّ من الكتاب والايمان والكفر والنّفاق اعنى كتاب الولاية والايمان والكفر والنّفاق به فانّه اقبح اقسام الكفر فى نفسه واضرّها على المؤمنين واشدّها منعاً للطّالبين ولذا بسط فى ذمّهم وبالغ فى ذكر قبائحهم وذكر مثل حالهم فى آخر ذمّهم قرينة دالّة على انّ المراد المنافقون بالولاية لانّ المنافقين بالرّسالة ليست حالهم شبيهة بحال المستوقد المضيئ فانّ المنافق بالرّسالة لا يستضيئ بشيئ من الاعمال لعدم اعتقاده بالرّسالة وعدم القبول من الرّسول بخلاف المنافق بالولاية فانّه بقبوله للرسالة يستضيئ بنور الرّسالة والاعمال المأخوذة من الرّسول (ص) لكن لمّا لم يكن اعماله المأخوذة وقبوله الرّسالة متّصلة بنور الولاية كان نوره منقطعاً، وما يستفاد من تفسير الامام انّ الآية كانت اشارة الى ما سيقع من النّفاق بعلىّ (ع) يوم الغدير ومبايعة الامّة والمنافقين معه وتواطؤهم على خلافه بعد البيعة وبعد التّأكيد بالعهود والمواثيق عليهم يدلّ على انّ المراد النّفاق بالولاية. والنّاس اسم جمع من النّسيان مقلوب العين لاماً، او محذوف الّلام لغلبة النسيان عليه حيث لم يتذكّر ما الفه فى العوالم السّابقة، او من النسيئ بمعنى التّأخير مقلوباً؛ او محذوف الّلام، او من الانس بمعنى الالفة ضدّ التّوحّش محذوف الفاء او مقلوبه، او هو مأخوذ من الايناس بمعنى الابصار مع الاطمئنان بالمبصر كما قال: { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } [طه: 10] اى رأيت ناراً واطمأننت بها؛ والاظهر أنّ النّاس مأخوذ من النّسيان او النسيئ لاستعماله فى الاغلب فى مقام مناسب لهما وانّ الانسان من الانس لذلك، وقيل انّ الّلام فى النّاس عوض عن المحذوف وهو بعيد والجارّ والمجرور مبتدأ امّا لقيامه مقام الموصوف المحذوف المقدّر او لنيابته عنه لقوّة معنى البعضيّة فيه حتّى قيل: انّه بنفسه مبتدأ من دون قيامٍ مقام الغير وتقديرٍ ونيابةٍ والمعنى بعض النّاس. او خبر مقدّم، { مَن يَقُولُ } بألسنتهم من دون موافقة قلوبهم { آمَنَّا بِٱللَّهِ } او بعلىّ (ع) الّذى هو مظهر الآلهة على ما ورد من التّفسير بالايمان بالولاية { وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } يعنى بالمبدء والمعاد كأنّهم اشاروا بتكرار الجارّ الى انّ ايمانهم بكلٍّ مأخوذ عن برهانٍ لا انّ الايمان باليوم الآخر مأخوذ من الايمان بالله من دون تحقيق وبرهانٍ عليه.
واعلم انّ العوالم باعتبار كلّيّاتها سبعة ومراتب كلّ عالمٍ عشرة ودرجات كلّ مرتبةٍ عشرة الى مئة الى ما شاء الله وبسبب هذه الاعتبارات اختلف الاخبار فى تحديد العوالم وبطون الآيات بالسّبعة والسّبعين والسّبعمائة الى سبعين الفاً الى ما شاء الله، واذا لوحظ المراتب من البدء الاوّل الى آخر العوالم كان كلّ مرتبة بالنّسبة الى سابقتها ليلة لقوّة الظّلمة الحاصلة من تنزّلات الوجود وكثرة التّعيّتات، واذا لوحظت من المنتهى الى المبدء كان كلّ مرتبة بالنّسبة الى سابقتها يوماً لقوّة النّور وضعف الظّلمة بالنّسبة الى سابقتها، ولهذا ذكر اليوم فى الآيات والاخبار عند ذكر العروج والصّعود والانتهاء والخروج، وذكر اللّيلة عند ذكر النّزول، والمراد باليوم الآخر امّا يوم حشر الخلائق للحساب، او يوم قيام كلّ صنفٍ فى مقامهم الّذى لا خروج لهم عنه.
{ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } كان المناسب لردّ قولهم: { آمنّا بالله واليوم الآخر } ان يقول تعالى شأنه: لم يؤمنوا بالله واليوم الآخر نفياً لما ادّعوه من حصول الايمان فى الزّمن الماضى لكنّه عدل الى الاسميّة مطلقةً عن التّقيّد بالزّمان والمتعلّق اشعاراً بنفى الايمان عنهم فطرةً وتكليفاً ماضياً ومستقبلاً متعلّقاً بشيئ من الاشياء فانّه كما انّ اسميّة الجملة تكون لتأكيد الايجاب تكون لتأكيد النّفى، ونفى المطلق يكون لاطلاق النّفى الاّ ان يقيّد المطلق بالاطلاق فانّ النّفى الوارد عليه حينئذٍ قد يكون لنفى الاطلاق.