التفاسير

< >
عرض

وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ
٧٨
-الحج

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } لمّا كان الخطاب لآل محمّدٍ (ص) خاطبهم بهذا الخطاب والاّ فمثل هذا التّكليف لغيرهم تكليف بما لا يطاق بل يقال لهم: جاهدوا فى الله حقّ جهادكم لا حقّ جهاده فانّ حقّ الجهاد فى الله على الاطلاق وحقّ الجهاد الّلائق بالله ان لا يبقى شيءٌ من انانيّة العبد ويبقى بعد فنائه بحيث يلاحظ الحقّ فى الخلق والخلق فى الحقّ من دون نقصانٍ لشيءٍ منهما، ولحاظ الوحدة والكثرة على ما ينبغى لا يتيسّر الاّ لصاحب الجمع المطلق يعنى صاحب الولاية الكلّيّة والرّسالة الكلّيّة كما قيل:

جمع صورت باجنين معنىّ زرف مى نيايد جز زسلطان شكرف

{ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ } استيناف فى مقام التّعليل { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } عطف على قوله هو اجتباكم ويفيد التّعليل ايضاً والدّين كما سبق مكرّراً عبارة عن صورة الملّة الّتى هى الاحكام القالبيّة الاسلاميّة، وعن احكام الايمان القلبيّة، وعن طريق النّفس الى القلب، والقلب الى الرّوح! والرّوح الى العقل، وهكذا، وما جعل الله لاحدٍ فى شيءٍ من ذلك حرجاً فانّ التّكليف بقدر الوسع، واذا بلغ السّالك الى الطّريق كان له وسعة لا يتصوّر سعة مثلها فانّه ما دام يكون سالكاً الى الطّريق يكون فى ضيقٍ وحرجٍ وقبضٍ وقلقٍ، واذا بلغ الى الطّريق الى الله وهو مثال شيخه وملكوته تبدّل ضيقه بالسّعة وقبضه بالبسط وقلقه بالاطمينان، وتعبه بالرّاحة؛ رزقنا الله وجميع المؤمنين { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } فى هذا اشارة الى انّ تنزيل الآية لاهل بيت محمّدٍ (ص) كما فسّروها لنا واذا اريد بالابوّة الابوّة الرّوحانيّة كان التّفسير صرفاً من التّنزيل الى التّأويل وتصدق هذه النّسبة على من صار منتسباً الى ابراهيم (ع) بالبنوّة، وهذا الانتساب لا يكون الاّ اذا صدق الاتّصال بالبيعة العامّة ان لم نقل بلزوم البيعة الخاصّة الولويّة فى صدق هذه النّسبة { هُوَ } اى ابراهيم (ع) او الله { سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } يعنى من قبل هذا الزّمان او من قبل القرآن او من قبل هذا العالم فى العوالم العالية { وَفِي هَـٰذَا } الزّمان او القرآن او العالم، وتسمية ابراهيم (ع) لهم مسلمين فى هذا الزّمان بواسطة بقاء هذا الاسم لهم منه فى هذا الزّمان { لِيَكُونَ } تعليل للاوامر السّابقة، او للمدائح الّلائقة، او للمجموع يعنى جاهدوا ليكون { ٱلرَّسُولُ } واجتباكم ليكون الرّسول (ص) { شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } هذا ايضاً يدلّ على اختصاص الآية بالائمّة (ع) { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ } قد مضى فى اوّل البقرة بيان الصّلٰوة واقسامها واقامتها وبيان الزّكٰوة واطوارها وايتائها { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ } بالاعتصام بالولاية فانّ الاعتصام بالله باعتبار مقام الغيب لا يتصوّر للانسان ما كان شاعراً بذاته فالمراد الاعتصام بخلفائه والاعتصام بطريقه الّذى هو طريق الولاية { هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ } يعنى اذا كان موليكم فنعم المولى { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } هو.