التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً
٤٥
-الفرقان

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ أَلَمْ تَرَ } الخطاب لمحمّدٍ (ص) فانّه اهل لتلك الرّؤية وينبغى ان يعاتب على تركها ويؤكّد ثبوتها له او عامّ فانّ غيره ينبغى ان يرى ويوبّخ على تركها { إِلَىٰ رَبِّكَ } المضاف وهو ربّه فى الولاية، ومدّ الظّلّ منه عبارة عن صورته المثاليّة الّتى اذا تمكّن القابل للولاية فى الاتّصال بها يرى سعة احاطتها وتصرّفها فيما سواها من غير توقّفٍ الى مضىّ زمانٍ او قطع مكان والنّقل من مقامٍ او ربّك المطلق، ومدّ الظّلّ منه عبارة عن سعة مفعولاته وكثرة مقدوراته وانتهاء ذلك الظّلّ الى الملكوت السّفلىّ وعالم الجنّة والشّياطين، او المراد بالظّلّ هو الّذى خرج من انانيّته وحيى بحيٰوة الله وبقى ببقاء الله وهم الانبياء والاولياء (ع) فانّهم بالنّسبة الى الله كالظّلّ بالنّسبة الى الشّاخص من حيث انّه لا انانيّة له من نفسه ولا استقلال ولا بقاء كما قيل:

سايه يزدان بود بنده خدا مرده اين عالم وزنده خدا
كيد مدّ الظل نقش اولياست كاودليل نورخورشيد خداست
دامن او كير زوتر بيكمان تا رهى از آفت آخر زمان
اندرين وادى مروبى اين دليل لا احبّ الآفلين كوجون خليل

{ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } قيل على ظاهر التّنزيل: الم تر الى فعل ربّك، وقيل معناه: الم تعلم، وقيل: انّ هذا على القلب والتّقدير الم تر الى الظّلّ كيف مدّه ربّك، وقيل: المراد بالظّلّ ما بين الطّلوعين فانّه ظلّ ممدود غير مقطوع، وقيل: المراد بالظّلّ ما بين غروب الشّمس الى طلوعها { وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } غير ممدود وغير متحرّكٍ الى المدّ او جعله ساكناً من السّكنى بمعنى الاقامة فانّه لو شاء الله لم يظهر الشّمس حتّى يكون الظّل دائماً، او لم يتبدّل اوضاعها حتّى يكون الظّلّ بحال واحدة، او لم يرجع الفانى الى البقاء او لم يذهب بالرّاجع الى البقاء الى حضرته فيكون نبىّ واحد وولىّ واحد فى جملة ادوار العالم او لم يذهب بالمكوّنات ولم يخرجها من القوى الى الفعليّات او لم ينزل الوجود من عالم الارواح الى عالم الاكوان { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } يعنى لو شاء لجعل الشّمس على الظّلّ دليلاً لكنّه لم يشأ فجعل الظّلّ دليلاً على الشّمس فانّه بجملة معانيه وبطونه يدلّ على الشّمس، او المعنى ثمّ لو شاء لجعل الشّمس عليه دليلاً لكنّه شاء وجعل الشّمس دليلاً على الظّلّ لمن رقى عن رؤية افعال الله الى مشاهدة ذاته فى مظاهر جماله، او المعنى الم تر كيف مدّ الظّلّ ثمّ كيف جعل الشّمس عليه دليلاً لمن صار كذلك وعلى هذين المعنيين فالاتيان بثمّ للاشعار بانّ دلالة الشّمس على الظّلّ مع انّها مدلولة للظّلّ فى اوّل الامر لا تكون بعد مشاهدة فعل الله فى جملة الافعال الاّ بتراخٍ كما انّ الالتفات من الغيبة الى التّكلّم للاشارة الى انّ دلالة الشّمس على مصنوعاته لا تكون الاّ بعد حصول مقام الحضور.