التفاسير

< >
عرض

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
١١٠
-آل عمران

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } استئناف جواب لسؤالٍ مقدّرٍ كأنّه قيل من المبيّض الوجوه؟ - فقال: كنتم مبيّضى الوجوه، وقال: خير امّة للاشارة الى وصفٍ آخر لهم، ولفظ كان لمحض التّأكيد منسلخ عن الزّمان او المقصود انّكم كنتم فى النّشئات السّابقة خير امّة { أُخْرِجَتْ } من العدم الى الوجود او من العوالم العالية والحجب الغيبيّة الى عالم الشّهادة { لِلنَّاسِ } لانتفاعهم { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } جواب لسؤالٍ مقدّرٍ او صفة او حال او خبر بعد خبر وعلى اىّ تقدير فالمقصود تعليل كونهم خير امّة ويجوز ان يكون مستأنفاً لقصد المدح { وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } ولمّا كان المخاطبون الائمّة المعصومين (ع) كما روى عنهم بطرق كثيرةٍ والفاظٍ متخالفة ومتوافقةٍ وكانوا من اوّل تميزهم واوان طفوليّتهم معصومين وآمرين قواهم وجنودهم فطرةً بالمعروف وناهين لها عن المنكر الى زمان تعلّق التّكليف بهم بحسب الظّاهر واوان بيعتهم ودخولهم فى الايمان ثمّ صاروا باقتضاء العصمة وظهور الولاية آمرين وناهين لاهل مملكتهم ولمن خرج عن مملكتهم بحسب التّكليف الالهىّ والامر والنّهى الشّرعيّين اخبر عنهم بالمضارع الدّالّ على الاستمرار مسبوقاً بكان الدّالّ على انّه كان شأنهم وشغلهم الامر بالمعروف والنّهى عن المنكر قديماً، وقدّمهما على الايمان لانّ حدوث الايمان المذكور كان بعد الامر والنّهى المذكورين، او لانّ الامر بالمعروف والنّهى عن المنكر يدلاّن على الايمان فطريّهما على فطريّة وتكليفيّهما على تكليفيّه { وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } ولمّا كان للايمان بالله درجات والمؤمن السّالك الى الله يحصل له كلّ يوم درجة من الايمان غير ما فى السّابق اتى بالايمان ايضاً مضارعاً دالاًّ على التجدّد، وما قيل: انّما اخّر الايمان مع انّه حقّه ان يقدّم لانّه قصد بذكره الدّلالة على انّهم امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ايماناً بالله وتصديقاً به واظهاراً لدينه ليس فى محلّه لانّ هذا المعنى يستفاد من التّقديم ايضاً بل مقتضى التّرتيب الذّكرىّ الدّلالة على انّهم آمنوا بالله لكونهم آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر كما بيّناه خصوصاً مع ملاحظة ما ورد عنهم انّ الواو فى القرآن يفيد التّرتيب مع انّ الاغلب انّ الترتيب الذّكرىّ يكون للترتيب المعنوىّ. وعن الصّادق (ع) انّه قرأ عليه { كنتم خير امّةٍ } فقال: خير امّة يقتلون امير المؤمنين (ع) والحسن (ع) والحسين بن علىّ (ع) فقال القارى: جعلت فداك كيف نزلت؟ - فقال: نزلت { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } الا ترى مدح الله لهم: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله والاخبار فى انّ النازل من الله خير ائمّة وانّ المراد بهم محمّد (ص) واوصياؤه كثيرة، ولمّا كانت الامّة تطلق على من يؤتمّ به وعلى من يأتمّ بغيره يجوز ان يراد بالامّة معنى الائمّة، ويجوز ان يكون مرادهم من خير ائمّة انّ الآية بهذا المعنى نزلت لا بالمعنى الّذى توهّموه { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } عطف على قوله { كنتم خير امّة } او على قوله { تأمرون } على ان يكون مستأنفاً وكان المناسب ان يقول ولو امر اهل الكتاب بالمعروف ونهوا عن المنكر وآمنوا { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } لكن لمّا لم يكن فطرتهم فطرة الامر بالمعروف قبل الايمان ولا تكليفهم الامر بالمعروف بعد الايمان الاّ بعد الكمال فى الايمان واراد تعالى ان يقول: لو حصل لهم اصل الايمان من دون التفات الى الاستكمال فيه اقتصر على الايمان { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } كأنّه قيل: اما آمن منهم احد؟ - فقال جواباً له: منهم المؤمنون الّذين آمنوا بمحمّد (ص) قبل مبعثه وبعد بعثته مثل الانصار من يهود مدينة ومثل بعض النّصارى من اهل الحبشة واهل اليمن { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } الخارجون من مقتضى دينهم وكتابهم ووصيّة نبيّهم وللاشارة الى هذا المعنى لم يقل اكثرهم الكافرون.