التفاسير

< >
عرض

وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
١٣٣
-آل عمران

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَسَارِعُوۤاْ } بالمسارعة الى طاعة الرّسول والاهتمام بها { إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ }.
وجه التّعبير عن عرض الجنّة بعرض السّماوات والارض
اعلم انّ العرض والطّول فى المسطّحات عبارة عن اقلّ الامتدادين واكثرهما، وفى المجسّمات عبارة عن اقصر الامتدادات الثّلاثة واطولها، والعرض فى الاسطوانات والمخروطيّات عبارة عن امتداد قواعدها والطّول فيها عبارة عن امتداد سهامها، ولمّا كان عوالم الامكان مبتدئةً من المشيئة الّتى هى الوحدة الحقّة الظّلّية الّتى هى كالنّقطة فى عدم تطرّق الكثرة اليها منتهية الى عالم الاجسام الّذى هو لكثرته مثل قاعدة المخروط شبّه العوالم الطوليّة بالمخروط المنتهى من طرفٍ الى النّقطة ومن طرفٍ الى القاعدة، ولمّا كان عالم الطّبع بكثرته مثل قاعدة المخروط فى كثرتها وقد علمت انّ عرض المخروط عبارة عن قطر قاعدته قال تعالى: عرضها نفس السّماوات والارض من غير تخلّل اداة التّشبيه، ولمّا كان هذه كلّها على طريق تشبيه المعقول بالمحسوس قال فى سورة الحديد:
{ { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [الحديد:21] بتخلّل اداة التّشبيه.
ثمّ اعلم انّ سعة عالم الطّبع ومكانه وعاء لسعة العوالم العالية كما انّ زمانه وعاء لامد بقائها وكما انّ سعة الدّهر الّذى هو امد بقاء العوالم العالية بالنّسبة الى الزّمان اضعاف الزّمان بالف او بخمسين الفاً لانّ يوماً من الدّهر الّذى وعاءه ومظهره يوم من الزّمان كالف سنة فى المرتبة الاولى او كخمسين الف سنة فى المراتب الاُخر كذلك سعة وعاء العوالم العالية الّذى هو بمنزلة مكان عالم الطّبع بالنّسبة الى المكان الّذى هو وعاء ومظهر لوعاء العوالم العالية اضعافه بالف او خمسين الفاً، وهذه السّعة غير السّعة بحسب الكثرة فلا ينافى تشبيه عالم الطّبع بالقاعدة فى الكثرة والعوالم العالية بالنّقطة فى الوحدة { أُعِدَّتْ } صفة بعد صفة او حال بتقدير قد او مستأنف جواباً لسؤالٍ مقدّرٍ كأنّه قيل، لمن هذه الجنّة؟ - فقال: اعدّت { لِلْمُتَّقِينَ } قد مضى فى اوّل سورة البقرة بيان مراتب التّقوى فانّ التّقوى الحقيقيّة هى الّتى تكون بعد الايمان واوّل مراتبها التّقوى عن نسبة شيءٍ من الاموال والافعال الى نفسه وآخر مراتبها التّقوى عن ذاته بحيث لا يبقى له ذات وانانيّة وهى آخر مراتب العبوديّة واوّل مراتب الرّبوبيّة.