التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
١٣٥
-آل عمران

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } عطف على الّذين ينفقون والفاحشة تطلق على الزّنا مخصوصاً وعلى ما يشتدّ قبحه مطلقاً وعلى كلّ ما نهى الله عزّ وجلّ عنه { أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } الظّاهر المتبادر ان يكون المراد بالفاحشة البالغ فى القبح وبظلم النّفس مطلق القبيح حتّى يكون من قبيل ذكر العامّ بعد الخاصّ او الغير البالغ فى القبح حتّى يكون قسيماً للفاحشة لكنّه نسب الى النّبىّ (ص) انّه فسّر الفاحشة بالزّنا وظلم النّفس بارتكاب ذنب اعظم من الزّنا وانّ الآية نزلت فى شابٍّ كان ينبش القبور سبع سنين حتّى نبش قبر جارية من بنات الانصار واخذ كفنها ثمّ جامعها فسمع صائتاً يقول من ورائه: يا شابّ ويلك من ديّان يوم الدّين يوم يقفنى وايّاك كما تركتنى عريانة فى عساكر الموتى ونزعتنى من حفرتى وسلبتنى اكفانى وتركتنى اقوم جنبةً الى حسابى فويل لشبابك من النّار، فندم واتى النّبىّ (ص) باكياً متضرّعاً ولمّا علم النّبىّ (ص) بحاله بعد استعلام حاله نحّاه من عنده فيئس وخرج الى بعض الجبال وتضرّع على الله اربعين صباحاً حتّى انزل الله تعالى قبول توبته وانزل هذه الآية على نبيّه (ص) فخرج مع اصحابه فى طلبه فدلّوه عليه فجاء اليه ودنا منه واطلق يديه من عنقه ونفض التّراب من رأسه وقال: "يا بهلول ابشر فانّك عتيق الله من النّار" { ذَكَرُواْ ٱللَّهَ } يعنى لم يكن الفاحشة او ظلم النّفس من التّمكّن فى الجهل بل كان من اللّمم النّازلة بالعباد المغفورة لانّها لم تكن كبيرة كما سبق انّ الكبيرة ما كان صادراً من التّمكّن فى اتّباع الطّاغوت وامّا اذا كان الانسان متمكّناً فى اتّباع علىّ (ع) وولايته فكلّما صدر عنه من المساوى فهو من قبيل اللّمّات ومن الصّغائر وهذا الانسان كلّما يوقعه الشّيطان فى قبيح يتذكّر الله لا محالة ويندم على قبيحه ويستغفر ربّه وما ورد فى الاخبار من انّ الاصرار ان يذنب الذّنب فلا يستغفر الله ولا يحدّث نفسه بتوبة، ومن قوله (ع): لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار، ومن قول النّبىّ (ص): "ما اصرّ من استغفر وان عاد فى اليوم سبعين مرّة" ، وغير ذلك ممّا ورد فى بيان الكبائر والصّغائر يشعر بما ذكرنا فصاحبوا الصّغيرة هم الّذين اذا فعلوا فاحشة اىّ فاحشة كانت ذكروا الله { فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } وصاحبوا الكبيرة هم الّذين اذا فعلوا فاحشة لم يتذكّروا ولم يستغفر الله لذنوبهم، وما ورد من تعداد الكبائر وحصرها فى السّبعة او اكثر انّما هو للاشارة الى الكبارة بنسبة بعضها الى بعض { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } معترضة او حاليّة والمقصود تأييس العباد عن التوجّه الى غيره تعالى والاستغفار ممّن سواه وتوصيفه تعالى بسعة المغفرة مع حصرها فيه { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ } عطف على قوله { استغفروا لّذنوبهم }، والاصرار على المعصية كما علم سابقاً توطين النّفس على المعصية من دون احداث توبة سواء صدرت عنه مكرّرة ام لا كما انّ الكبيرة هى المعصيه الصّادرة عن تمكين النّفس فى الجهل واتّباع الطّاغوت { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يعنى لم يصرّوا على الفاحشة او ظلم انفسهم والحال انّهم كانوا يعلمون بقبح فعلهم يعنى انّ مناط صدق الاصرار على القبيح هو علم الفاعل بقبحه لا قبحه فى نفس الامر فلو اشتبه الاجنبيّة واصرّ على المضاجعة معها لم تكن معصية ولا الاصرار عليها اصراراً على القبح.