التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١٨٠
-آل عمران

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } قرئ بالغيبة فالفاعل ضمير راجع الى الرّسول او الى من يتأتّى منه الحسبان والمفعول الاوّل الّذين يبخلون بتقدير مضافٍ ليطابق المفعول الثّانى او الفاعل الّذين يبخلون والمفعول الاوّل محذوف وقرئ بالخطاب خطاباً للرّسول (ص) او لكلّ من يتأتّى منه الخطاب والّذين يبخلون مفعوله الاوّل بتقدير مضاف اى لا تحسبنّ بخل الّذين يبخلون { بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } لانّ البخل يستجلب العقاب عليهم وليس الامساك يبقى المال ولا الانفاق يفنيه { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } عن الصّادقين (ع): ما من احدٍ يمنع زكاة ماله شيئاً الاّ جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوّقاً فى عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب وهو قول الله تعالى: { سيطوّقون ما بخلوا }: وعن الصّادق (ع) عن رسول الله (ص): ما من ذى زكاة مال نخل او زرع او كرم يمنع زكاة ماله الاّ قلّده الله تعالى تربة ارضه يطوّق بها من سبع ارضين الى يوم القيامة، اعلم انّ البخل لا يكون الاّ لتعلّق القلب بما يبخل البخيل به وكلّما تعلّق القلب به يكون بملكوته حاضراً فى القلب وثابتاً فيه وكلّما كان ثابتاً فى القلب يتمثّل عند القلب يوم تبلى السّرائر، وبتفاوت التعلّق يكون حضوره متفاوتاً بنحو الطّوق او بنحو اللّباس مشتملاً على جميع البدن، او بنحو البيت وغير ذلك من انواع الحضور سواء كان ذلك الّذى يبخل به من الاموال او القوى والابدان، او العلوم النّفسانيّة الّتى بخلوا بها ولم يظهروها لاهلها مثل اليهود والنّصارى بخلوا بما علموا من اوصاف محمّد (ص) وعلىّ (ع) الّتى كانت فى كتبهم واخبار اسلافهم، ومثل المنافقين من الامّة بخلوا بما علموا من حقّيّة محمّد (ص) ومن بعده بما علموا من حقّيّة علىّ (ع) فانّ من كتم علماً ألجمه الله تعالى يوم القيامة بلجامٍ من النّار { وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } يعنى له ما فى السّماوات والارض وادّاه بلفظ الميراث للاشعار بانّ ما فيها يبقى من بعض ويرثه بعض آخر، وهكذا كان حاله وما كان حاله هكذا فلا ينبغى للعاقل ان يبخل به ولا يعطيه بيده وقال الله للاشارة الى انّ الكلّ ملكه فلا ينبغى للعاقل ان يبخل بملك الغير ولا يعطيه بأمره او المعنى لله ميراث هى السّماوات وما فيها والارض وما فيها من العالم الكبير والصّغير يعنى يفنى الكلّ ويبقى الله الواحد القهّار وارثاً لها ولما فيها؛ فما بال متروكٍ به المرء يبخل؟! { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } من البخل والاعطاء { خَبِيرٌ } وعد ووعيد وقرئ بالخطاب بطريق الالتفات من الغيبة الى الخطاب.