التفاسير

< >
عرض

وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً
٤
وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
٥
-النساء

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ } ايّها الازواج { صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } منكم لهنّ اي عطيّة وفيه تنشيطاً لهم فانّ استرداد العطيّة فى غاية القبح وان كان الخطاب لاولياء النّكاح لانّهم كانوا يأخذون الصّداق لانفسهم كما هو الان كذلك في بعض الاعراب والاكراد فالمعنى آتوهنّ صدقاتهنّ ايّها الاولياء فانّها عطيّة لهنّ فليس لكم ان تأخذوها { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ } اى من الصّداق { نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً }.
اعلم انّ الانسان ذو نشأةٍ محسوسةٍ وذو نشأةٍ غير محسوسةٍ وله بحسب كلّ نشأة ما ينفعه وما يضرّه وكلّ من ميّز بين النّافع والضّارّ وقدر على جلب النّافع ودفع الضّارّ يسمّى عاقلاً ورشيداً، ومن لم يميّز او لم يقدر يسمّى سفيهاً لكن لا ملازمة بين سفاهة الدّنيا وسفاهة الآخرة؛ فكم من سفيه في الدّنيا عاقل في الآخرة، وكم من عاقلٍ في الدّنيا سفيه في الآخرة فمعاوية مع كونه ملقّباً باعقل زمانه سفيه، والبهلول مع كونه مجنوناً عاقل، واختلاف الاخبار في تفسير السّفيه بمن لم يكن تصرّفه فى ماله على وجه يرتضيه العقل وبمن لم يعرف الحقّ وبشارب الخمر وبمن لم يدخل فى هذا الامر بحسب اختلاف النّشأتين، فانّ العاقل بحسب النّشأة الآخرة من عرف امامه ودخل على الوجه المقرّر فى ولايته وبايعه بالبيعة الخاصّة وقبول الدّعوة الباطنة ودخل الايمان فى قلبه ولذلك نسبوا الى شيعتهم العقل والعلم التّعلّم والعرفان وغير ذلك ممّا يدلّ على كونهم عاقلين مع انّ اكثرهم لم يكونوا من اهل العلوم الرّسميّة والعقول الدّنيويّة بل كانوا في نظر اهل الدّنيا مجانين وسفهاء كما قالوا:
{ { أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ } [البقرة:13]،وقالوا: { أَم بِهِ جِنَّةٌ } [سبأ: 8]، وكما انّ الشّرع والعقل حاكمان بقبح اعطاء المال الدّنيوىّ للسّفيه من الاولاد والازواج او الايتام الّذين فى تربيتكم او غيرهم ممّن يضيّع المال او من لا يعرف الحقّ كذلك حاكمان بقبح اعطاء المال الاخروىّ من العلم والحكمة لمن لم يكن اهله ولم يعرف الحقّ فانّ الله يأمركم ان تؤدّوا الامانات الى اهلها يعنى لا تمنعوها اهلها فتظلموهم ولا تعطوها غير اهلها فتظلموها وتكونوا كمن علّق الدرّ على اعناق الخنازير { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ } بان تمكّنوهم فيها لتحصيل رزقهم وكسوتهم منها بالعمل فيها بحيث لم ينقص من اصل المال شيء سواء زاد فيها بعملهم اولا، وانّما قال فى الآية الآتية: وارزقوهم منها لانّ المعطى هناك من اصل المال { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } لا ازدراء فيه ولا لوم { وَ } امّا اموال التيامى فـ { ٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ }.