التفاسير

< >
عرض

يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ
٦٧
-المائدة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } عنهم (ع) كان هناك: فى علىّ؛ فأسقطوه { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ } خوفاً من افتتان امّتك وفتنتك بهم { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } لانّ الولاية غاية الرّسالة فان لم تحصل كانت الرّسالة كأن لم تحصل { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } فلا يكن خوف فتنتك منهم مانعاً من التّبليغ { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } الى مرادهم من السّوء بك يعنى لا يخلّى بينهم وبين مرادهم. هذه الآية وآية { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } قد روى من طريق الخاصّة بطرقٍ كثيرة انّهما فى ولاية علىّ (ع) ونزولهما كان فى حجّة الوداع قبل منصرفه (ص) او بعده (ص) الى غدير خمّ، وهذه السّورة بتمام آيها آخر ما نزلت ولم ينزل بعدها شيء من القرآن، والخطب الّتى خطب النّبىّ (ص) بها فى مكّة ومسجد الخيف وغدير خمّ مذكورة من طريقهم فى المفصّلات من التّفاسير وغيرها، ومتأخّرو مفسّرى العامّة اكتفوا فى تفسير هذه الآية بظاهر اللّفظ وفسّروها هكذا يا ايّها الرّسول بلّغ جميع ما انزل اليك من ربّك وان لم تفعل اى تبليغ الجميع فما بلّغت شيئاً من رسالته على قراءة رسالته بالافراد او ما بلّغت جميع رسالاته على قراءة رسالاته بالجمع، ونزول الآية لو كان فى اوّل التّبليغ كان لهذا التّفسير وجه، ولمّا كان نزول الآية فى آخر التّبليغ كما عليه الشّيعة او بعد الهجرة كما عليه الكلّ لم يكن لهذا التّفسير موقع، لانّه قبل نزول الآية كان قد بلّغ اكثر التّكاليف وبقى بعضها فان كان الباقى مثل ما بلّغ سابقاً من احكام القالب لم يكن يخاف من التّبليغ ولا يتأمّل فيه حتّى يصير معاتباً بتركه، لانّه كان قد بلّغ اكثر الاحكام حين الانغمار وغلبة المشركين ولم يخف منهم فكيف يخاف حين ظهور سلطانه وقبول احكامه، فينبغى ان يكون خوفه من امّته وافتتان اتباعه ولا يكون الاّ اذا كان الامر المأمور هو بتبليغه امراً عظيماً ثقيلاً على اسماع الامّة، حتّى يخاف (ص) من عدم قبولهم وارتدادهم ويخاف على نفسه ايضاً من الاذى والقتل، ويتأمّل فى التّبليغ ويتردّد فيه فيصحّ من الله مجيء العزيمة والامر البتّى فيه والعتاب والتّهديد على تركه ووعد العصمة من النّاس فى تبليغه، ومن انصف من نفسه علم انّ هذا الامر لا يكون من جنس الصّوم والصّلوة ولا الحجّ والزّكوة ولا الخمس والجهاد ولا سائر العقود والمعاملات بل امراً خارجاً من جنس تلك الاحكام ولا يتصوّر الاّ ان يكون ذلك الامر نصب شخص للامارة عليهم بعده وادخالهم تحت حكمه مع كونه مبغوضاً لهم، وما ادّعى هذا لاحدٍ الاّ لعلىّ (ع) وقد قال (ص) باتّفاق الفريقين: "من كنت مولاه فعلىّ مولاه" ، وتأويلهم هذا بالمحبّ كما أوّلوه بعيد عن الانصاف غاية البعد، وكلامنا مع المنصف لامع المتعصّب المنحرف فانّه لا كلام لنا معه ولا كتاب والله المتفضّل بالتّوفيق والصّواب. هذا مع قطع النّظر عمّا ثبت وورد بطريق الخاصّة والعامّة فى حقّه (ع) ممّا يدلّ على استحقاقه (ع) خلافة النّبىّ (ص) دون غيره من كونه لم يشرك بالله طرفة عينٍ ولم يعبد وثناً بخلاف غيره ومن دعاء الرّسول (ص) له الى الاسلام وتكليفه (ص) البيعة معه واجابته (ع) له (ص) حين كونه (ع) ابن تسع سنين، فانّه ان كان فى ذلك الزّمان مستعدّاً لتعلّق التّكليف به ومستحقّاً لدعوة الرّسول وقابلاً للتّوبة على يده والبيعة معه، كفى به شرفاً لانّه لا خلاف فى انّه اوّل من بايع الرّسول (ص) وانّه كان حين بايع ابن تسع سنين، وان لم يكن اهلاً للدّعوة والبيعة ومع ذلك دعاه محمّد (ص) وبايعه كان مرتكباً للّغو وهو بحكمته الكاملة اجلّ من ان يفعل اللّغو. ومن مبيته على فراش الرّسول (ص) وفداءه بنفسه ليلة المبيت، ومن استخلافه له بمكّة فى اهله، وفى ردّ امانات النّاس، ومن حمله الفواطم ومنهنّ فاطمة بنت رسول الله (ص) بعده الى المدينة، ومن كونه بمنزلة نفسه (ص) كما سبق فى آية المباهلة، ونقلنا هناك اتّفاق الخاصّة والعامّة على انّه لم يكن معه (ص) حين الخروج الى المباهلة احد من الصّحابة سوى الحسنين وفاطمة وعلىّ (ع) ونقلنا هناك عن بعض مفسّريهم ورواتهم انّه قال: لم يكن معه غير هؤلاء، وهو يدلّ على انّه لم يكن اعزّ عليه من هؤلاء؛ والفضل ما شهدت به الاعداء. ومن كونه قتّال ابطال العرب لحماية الدّين ولطاعة سيّد المرسلين (ص) وكفى به فضلاً وشرفاً، حيث بذل نفسه واهلك انانيّته لامر ربّه واقدم على ما لم يقدم عليه أحد من اقرانه الّذين ارادوا بالدّين وبالبيعة مع سيّد المرسلين (ص) ابقاء انانيّاتهم وجذب الخير لانفسهم، ومن قوله (ص) فى حقّه (ع) "لاعطين الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله" ، ومن قوله (ص): "انّى تارك فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتى اهل بيتى وانّهما لن يفترقا حتّى يردا علىّ الحوض" ، ولم يدّع احد من مدّعى الخلافة كونه من اهل بيته ومن عترته، ومن قوله (ص): انا مدينة العلم وعلىٌّ بابها، ومن كونه اعلم الصّحابة وأقضاهم واشجعهم واغزاهم، ومن رجوع الخلفاء اليه فى معضلاتهم وقولهم: قضيّةٌ ولا باحسنٍ لها، صار مثلاً بينهم وقد تيمنّت بما ذكرت والاّ فمناقبه المشهورة المذكورة بين العامّة والخاصّة قد بلغت من الوضوح مبلغ الشّمس فى رابعة النّهار غنيّة عن الوصف والاظهار، ومن الكثرة بحيث ملأت الخافقين لا يمكن احصاؤها مع انّ اعداءه كتموها حسداً وبغياً واحبّاؤه ضنّةً وخوفاً: وقد اغنى ابن ابى الحديد الشّيعة عن ذكر مناقبه بما ذكر فى شرحه لنهج البلاغة، وان كان مع اطرائه لم يبلغ قطرة من بحار مناقبه وقد ذكر صريحاً وتلويحاً مثالبهم فى ضمن اوصافهم، وكان ابن ابى الحديد من مشايخهم وعلمائهم وذكر فى شرح نهج البلاغة ما مضمونه: انّ رجلاً من اهل البصرة كان يوم الغدير بمشهد علىّ (ع) وسمع من الرّفضة رفض الخلفاء وبعض الصّحابة وسبّهم ومثالبهم، فرجع الى البصرة ودخل على قاضيها وقال للقاضى رأيت العجب فى مشهد علىٍّ قال: ما رأيت؟ - قال: رأيت الشّيعة يسبّون الخلفاء، قال القاضى: هذا ما علّمهم صاحب القبر، قال: فما لنا نحبّه ونحبّهم؟! فقام القاضى وخرج من الباب الّذى يلى داره وقال: لعن الله الفاعل ابن الفاعلة ان كان يعلم جواب هذى المسئلة، فان كان علىٌّ باقرارهم علّم شيعته سبّ الخلفاء كان مبغضاً لهم فان كنت محبّا له فاقتضاء محبّته ان تبغض الخلفاء وان كنت محبّاً لهم فاقتضاء محبتّهم ان تبغض عليّاً فما لك تحبّه وتحبّهم، فاخرج عن عصبيتّك وانظر الى آثار كبار ملّتك وخذ من دنياك لآخرتك. وللتيمّن بقوله (ص) فى خلافة خليفته (ع) نذكر شطراً من الخطب الّتى خطب بها فى حجّة الوداع، فنقول: نسب الى ابن عبّاس والثّعلبىّ وغيرهما من العامّة انّهم قالوا: انّ الله امر نبيّه ان ينصب عليّاً علماً للنّاس ويخبرهم بولايته، فتخوّف ان يقولوا حابى ابن عمّه وان يشقّ ذلك على جماعة من اصحابه، فنزلت هذه الآية فأخذ بيده يوم غدير خمّ وقال: "من كنت مولاه فعلىٌّ مولاه" ، وقرأ الآية، ونسب الى الباقر (ع) انّه قال: قد حجّ رسول الله (ص) من المدينة وقد بلّغ جميع الشّرائع قومه غير الحجّ والولاية، فأتاه جبرئيل فقال له يا محمّد انّ الله عزّ وجلّ يقرئك السّلام ويقول لك: انّى لم اقبض نبيّاً من انبيائى ولا رسولاً من رسلى الا بعد اكمال دينى وتأكيد حجّتى، وقد بقى عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج ان تبلّغهما قومك فريضة الحجّ وفريضة الولاية والخلافة من بعدك، فانّى لم اُخل ارضى من حجّتى ولن اخليها ابداً، فانّ الله يأمرك ان تبلّغ قومك الحجّ، تحجّ ويحجّ معك كلّ من استطاع اليه سبيلاً من اهل الحضر والاطراف والاعراب وتعلّمهم من حجّتهم مثل ما علّمتهم من صلوتهم وزكوتهم وصيامهم، وتوقّفهم من ذلك على مثال الّذى اوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشّرائع، فنادى منادى رسول الله (ص) فى النّاس الا انّ رسول الله (ص) يريد الحجّ وان يعلّمكم من ذلك مثل الّذى علّمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذلك على ما اوقفكم عليه من غيره، فخرج رسول الله (ص) وخرج معه الناّس واصغوا اليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحجّ بهم وبلغ من حجّ مع رسول الله (ص) من اهل المدنية واهل الاطراف والاعراب سبيعن الف انسانٍ او يزيدون، على نحو عدد اصحاب موسى (ع) سبعين الفاً الّذين اخذ عليهم بيعة هارون (ع) فنكثوا واتّبعوا العجل والسّامرىّ، وكذلك رسول الله (ص) اخذ البيعة لعلىّ بن أبى طالب (ع) بالخلافة على عدد اصحاب موسى (ع) فنكثوا البيعة واتّبعوا العجل سنّة بسنّة ومثلاً بمثل، واتّصلت التلبية ما بين مكّة والمدينة فلمّا وقف بالموقف اتاه جبرئيل عن الله تعالى فقال: يا محمّد، انّ الله تعالى يقرئك السّلام ويقول لك: انّه قد دنا اجلك ومدّتك، وانا مستقدمك على ما لا بدّ منه ولا عنه محيص فاعهد عهدك وقدّم وصيّتك واعمد الى ما عندك من العلم وميراث علوم الانبياء من قبلك، والسّلاح والتّابوت وجميع ما عندك من آيات الانبياء، فسلّمها الى وصيّك وخليفتك من بعدك حجّتى البالغة على خلقى علىّ بن أبى طالب، فأقمه للنّاس علماً وجدّد عهده وميثاقه وبيعته وذكّرهم ما اخذت عليهم من بيعتى وميثاقى الّذى واثقتهم به وعهدى الّذى عهدت اليهم من ولاية وليىّ ومولاهم ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ علىّ بن أبى طالبٍ. فانّى لم اقبض نبيّاً من الانبياء الاّ من بعد اكمال دنيى واتمام نعمتى بولاية اوليائى ومعاداة اعدائى، وذلك كمال توحيدى ودينى واتمام نعمتى على خلقى باتّباع وليىّ وطاعته، وذلك انّى لا أترك ارضى بغير قيّمٍ ليكون حجّة لى على خلقى، فاليوم اكلمت لكم دينكم (الآية) بولاية وليّى ومولى كلّ مؤمن ومؤمنةٍ علىٍّ عبدى ووصىّ نبيىّ والخليفة من بعده وحجّتى البالغة على خلقى مقرون طاعته بطاعة محمّد نبيىّ ومقرون طاعته مع طاعة محمّد بطاعتى، من أطاعه فقد اطاعنى ومن عصاه فقد عصانى، جعلته علماً بينى وبين خلقى من عرفة كان مؤمناً ومن انكره كان كافراً، ومن أشرك ببيعته كان مشركاً، ومن لقينى بولايته دخل الجنّة، ومن لقينى بعداوته دخل النّار؛ فأقم يا محمّد عليّاً علماً وخذ عليهم البيعة وجدّد عليهم عهدى وميثاقى لهم الّذى واثقتهم عليه، فانّى قابضك الىّ ومستقدمك علىّ. فخشى رسول الله (ص) قومه واهل النّفاق والشّقاق ان يتفرّقوا ويرجعوا جاهليّة لما عرف من عداوتهم، ولما ينطوى عليه انفسهم لعلىٍّ من البغضة، وسأل جبرئيل، ان يسأل ربه العصمة من النّاس وانتظر ان يأتيه (ص) جبرئيل بالعصمة من النّاس من الله جلّ اسمه فأخّر ذلك الى ان بلغ مسجد الخيف، فأتاه جبرئيل فى مسجد الخيف فأمره ان يعهد عهده ويقيم عليّاً (ع) للنّاس ولم يأته بالعصمة من الله جلّ جلاله الّذى اراد، حتّى اتى كراع الغميم بين مكّة والمدينة فأتاه جبرئيل وأمره بالّذى اتاه من قبل ولم يأته بالعصمة، فقال (ص): يا جبرئيل انّى اخشى قومى ان يكذّبونى ولا يقبلوا قولى فى علىٍّ، فرحل فلمّا بلغ غدير خمّ قبل الجحفة بثلاثة اميالٍ اتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النّهار بالزّجر والانتهار والعصمة من النّاس، يا محمّد، انّ الله تعالى يقرئك السّلام ويقول لك: (يا ايّها الرّسول بلّغ ما انزل اليك من ربّك في عليّ وان لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من النّاس)، وكان اوائلهم قربت من الجحفة فأمره بان يردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر عنهم فى ذلك المكان ليقيم عليّاً للنّاس ويبلّغهم ما انزل الله تعالى فى علىٍّ وأخبره بانّ الله عزّ وجلّ قد عصمه من النّاس، فأمر رسول الله عند ما جاءته العصمة منادياً ينادى فى النّاس بالصّلوة جامعةً، ويردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر فتنحّى عن يمين الطّريق الى جنب مسجد الغدير امره بذلك جبرئيل عن الله عزّ وجلّ، وفى الموضع سلمان فأمر رسول الله (ص) ان يقمّ ما تحتهنّ وينصب له احجار كهيئة المنبر ليشرف على النّاس، فتراجع النّاس واحتبس اواخرهم فى ذلك المكان لا يزالون فقام رسول الله (ص) فوق تلك الاحجار، ثمّ حمد الله تعالى وأثنى عليه بما أثنى (الى أن قال) واومن به وبملائكته وكتبه ورسله، اسمع أمره وأطيع وابادر الى كلّ ما يرضاه واستسلم لقضائه رغبةً فى طاعته وخوفاً من عقوبته، اقرّ له على نفسى بالعبوديّة واشهد له بالرّبوبيّة وأودّى ما أوحى الىّ حذراً من ان لا افعل فتحلّ بى منه قارعة لا يدفعها عنّى احدٌ وان عظمت حيلته، لا آله الاّ هو لانّه قد أعلمنى انّى ان لم ابلّغ ما أنزل الىّ فما بلّغت رسالته، فقد ضمن لى تبارك وتعالى العصمة وهو الله الكافى الكريم، فأوحى الىّ بسم الله الرّحمن الرّحيم { يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } فى علىٍّ وان لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من النّاس؛ معاشر النّاس، ما قصّرت فى تبليغ ما انزله وانا مبيّن لكم سبب هذه الآية انّ جبرئيل هبط الىّ مراراً ثلاثاً يأمرنى عن السّلام وربّى وهو السّلام ان اقوم فى هذا المشهد، فأعلم كلّ أبيض وأسود انّ علىٍّ بن أبي طالبٍ اخى ووصيىّ وخليفتى والامام من بعدى الّذى محلّه منّى محلّ هارون من موسى الا انّه لا نبىّ بعدى وهو وليّكم بعد الله ورسوله وقد أنزل الله تعالى علىّ بذلك آيةً من كتابه انّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلوة ويؤتون الزّكوة وهم راكعون، وعلىّ بن أبى طالب أقام الصّلوة وآتى الزّكوة وهو راكع يريد الله عزّ وجلّ فى كلّ حال وسألت جبرئيل ان يستعفينى عن تبليغ ذلك اليكم ايّها النّاس، لعلمى بقلّة المتّقين وكثرة المنافقين وادغال الآثمين وحيل المستهزئين بالاسلام، الّذين وصفهم الله فى كتابه، بأنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم ويحسبونه هيّناً هو عند الله عظيم، وكثرة اذاهم لى غير مرّةٍ حتّى سمّونى اذناً وزعموا انّى كذلك لكثرة ملازمته ايّاى واقبالى عليه، حتّى انزل الله عزّ وجلّ فى ذلك: { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } [التوبة: 61] قل اذن على الّذين يزعمون أنّه اذن خير لكم (الآية) ولو شئت ان اسمىّ بأسمائهم لسمّيت وان اومى اليهم بأعيانهم لا ومأت وان ادلّ عليهم لدللّت، ولكنّى والله فى امورهم قد تكرّمت وكلّ ذلك لا يرضى الله منّى الا ان ابلّغ ما انزل الىّ ثمّ تلا: { يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ }، فاعلموا، معاشر النّاس، انّ الله قد نصبه لكم وليّاً واماماً مفترضاً طاعته على المهاجرين والانصار وعلى التّابعين لهم باحسان وعلى البادى والحاضر وعلى الاعجمىّ والعربىّ والحرّ والمملوك والصّغير والكبير وعلى الابيض والاسود وعلى كلّ موجودٍ ماض حكمه جائز قوله نافذٍ امره، ملعونٌ من خالفه مرحومٌ من تبعه، ومن صدّقه فقد غفر الله له ولمن سمع منه واطاع له، معاشر النّاس أنّه آخر مقامٍ اقومه فى هذا المشهد، فاسمعوا واطيعوا وانقادوا لامر ربّكم، فانّ الله عزّ وجلّ هو ربّكم ووليّكم وآلهكم، ثمّ من دونه رسوله محمّد وليّكم القائم المخاطب لكم، ثمّ من بعدى عليٌّ وليّكم وامامكم بأمر الله ربّكم، ثمّ الامامة فى ذرّيّتى من ولده الى يوم القيامة يوم يلقون الله ورسوله، لا حلال الاّ ما أحلّه الله ولا حرام الاّ ما حرّمه الله، عرّفنى الحلال والحرام وانا افضيت بما علّمنى ربّى من كتابه وحلاله وحرامه اليه. معاشر النّاس، ما من علمٍ الاّ وقد أحصاه الله فىّ وكلّ علمٍ عُلّمته فقد أحصيته فى علىٍّ امام المتّقين ما من علم الاّ وقد علّمته وهو الامام المبين، معاشر النّاس، لا تضلّوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستنكفوا من ولايته فهو الّذى يهدى الى الحقّ ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه ولا تأخذه فى الله لومة لائم، انّه اوّل من آمن بالله ورسوله، والّذى فدى رسول الله بنفسه، والّذى كان مع رسول الله ولا احد يعبد الله مع رسوله من الرّجال غيره، معاشر النّاس، فضّلوه فقد فضّله الله واقبلوه فقد نصبه الله، معاشر النّاس، انّه امام من الله ولن يتوب الله على احدٍ انكر ولايته ولن يغفر الله له حتماً على الله ان يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه وان يعّذبه عذاباً نكراً ابد الاباد ودهر الدّهور، فاحذروا ان تخالفوه فتصلوا ناراً وقودها النّاس والحجارة أعّدت للكافرين، ايّها النّاس، بى والله بشّر الاوّلون من النّبيّين والمرسلين وانا خاتم الانبياء والمرسلين والحجّة على جميع - المخلوقين من اهل السّماوات والارضين، فمن شكّ فى ذلك فهو كافر كفر الجاهليّة الاولى ومن شكّ فى شيءٍ من قولى هذا فقد شكّ فى الكلّ منه والشّاكّ فى الكلّ فله النّار، معاشر النّاس، حبانى الله بهذه الفضيلة منّاً منه علىّ واحساناً منه الىّ، ولا اله الاّ هو له الحمد منّى ابد الآبدين ودهر الدّاهرين على كلّ حالٍ، معاشر النّاس، فضّلوا عليّاً فانّه افضل النّاس بعدى من ذكرٍ وأنثى، بنا انزل الله الرّزق وبقى الخلق، ملعونٌ معلونٌ مغضوبٌ مغضوبٌ من ردّ قولى هذا وان لم يوافقه، الا انّ جبرئيل خبّرنى عن الله تعالى بذلك ويقول: من عادى عليّاً ولم يتولّه فعليه لعنتى وغضبى، فلتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ واتّقوا الله ان تخالفوه فتزلّ قدم بعد ثبوتها انّ الله خبير بما تعملون، معاشر النّاس، انّه جنب الله نزل فى كتابه: { { يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } [الزمر:56] معاشر النّاس، تدبّروا القرآن وافهموا آياته وانظروا الى محكماته ولا تتّبعوا متشابهه فوالله لن يبيّن لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره الاّ الّذى انا آخذٌ بيده ومصعده الىّ وشائل بعضده، ومعلّمكم انّ من كنت مولاه فهذا علىٌّ مولاه وهو علىّ بن أبى طالبٍ، اخى ووصيىّ، وموالاته من الله عزّ وجلّ انزلها علىّ، معاشر الناس، انّ عليّاً والطّيّبين من ولدى هم الثّقل الاصغر والقرآن هو الثّقل الاكبر فكلّ واحد منبئٌ عن صاحبه وموافق له لن يفترقا حتّى يردا علىّ الحوض، امناء الله فى خلقه وحكّامه فى ارضه الا وقد اديّت، الا وقد بلّغت، الا وقد أسمعت، الا وقد أوضحت، الا وانّ الله عزّ وجلّ قال وانا قلته عن الله عزّ وجلّ، الا انّه ليس امير المؤمنين غير اخى هذا ولا تحلّ امرة المؤمنين بعدى لأحدٍ غيره. ثمّ ضرب بيده الى عضده فرفعه وكان منذ اوّل ما صعد رسول الله شال عليّاً حتّى صار رجله مع ركبة رسول الله ثمّ قال: معاشر النّاس، هذا علىٌّ اخى ووصيىّ وواعى علمى وخليفتى على امّتى وعلىّ تفسير كتاب الله والدّاعى اليه، والعامل بما يرضيه، والمحارب لاعدائه، والموالى على طاعته والنّاهى عن معصيته خليفة رسول الله وامير المؤمنين والامام الهادى وقاتل النّاكثين والقاسطين والمارقين، بأمر الله اقول ما يبدّل القول لدىّ، بأمر الله ربّى اقول: اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، والعن من أنكره واغضب على من جحد حقّه، اللّهم انّك انزلت علىّ انّ الامامة لعلىٍّ وليّك عند تبيانى ذلك ونصبى ايّاه، بما اكملت لعبادك من دينهم واتمم عليهم نعمتك ورضيت لهم الاسلام ديناً. فقلت: { { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [آل عمران:85] اللّهمّ انّى اشهدك انّى قد بلّغت، معاشر النّاس، انّما الله عزّ وجلّ أكمل دينكم بامامته فمن لم يأتمّ به وبمن يقوم مقامه من ولدى من صلبه الى يوم القيامة، والعرض على الله عزّ وجلّ فاولئك الّذين حبطت اعمالهم وفى النّار هم خالدون لا يخفّف الله عنهم العذاب ولا هم ينظرون، معاشر النّاس، هذا علىٌّ انصركم لى، واحقّكم بى، وأقربكم الىّ وأعزّكم علىّ والله عزّ وجلّ وانا عنه راضيان وما نزلت آية رضى الاّ فيه، وما خاطب الله الّذين آمنوا الاّ بدء به، ولا نزلت آية مدحٍ فى القرآن الاّ فيه، ولا شهد الله بالجنة فى { { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ } [الإنسان:1] الاّ وله ولا انزلها فى سواه ولا مدح بها غيره، معاشر النّاس، هو ناصر دين الله، والمجادل عن رسول الله، والتّقىّ النّقىّ الهادى المهدىّ نبيّكم خير نبىّ ووصيّكم خير وصىٍّ، وبنوه خير الاوصياء، معاشر النّاس، ذرّيّة كلّ نبيٍّ من صلبه وذرّيّتى من صل علىٍّ، معاشر النّاس، انّ ابليس أخرج آدم من الجنّة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط اعمالكم وتزلّ اقدامكم؛ فانّ آدم اهبط الى الارض بخطيئة واحدة وهو صفوة الله عزّ وجلّ فكيف بكم وأنتم أنتم ومنكم أعداء الله، الا انّه لا يبغض عليّاً الاّ شقىٌّ ولا يتولّى عليّاً الاّ تقىّ ولا يؤمن به الاّ مؤمن مخلص، وفى علىٍّ والله انزل سورة العصر بسم الله الرحمن الرّحيم { { وَٱلْعَصْرِ } [العصر:1] الى آخره، معاشر النّاس قد استشهدت الله وبلّغتكم رسالتى { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ }، معاشر النّاس، اتّقوا الله حقّ تقاته فلا تموتنّ الا وانتم مسلمون، معاشر النّاس، آمنوا بالله ورسوله والنّور الّذى انزل معه من قبل ان نطمس وجوهاً فنردّها على ادبارها، معاشر النّاس، النّور من الله عزّ وجلّ فىّ، ثمّ مسلوك فى علىّ، ثمّ فى النّسل منه الى القائم المهدىّ يأخذ بحقّ الله وبكلّ حقّ، هو لنا لانّ الله عزّ وجلّ قد جعلنا حجّة على المقصّرين والمعاندين والمخالفين والخائبين والآثمين والظّالمين من جميع العالمين. معاشر النّاس، انّى انذركم انّى رسول الله اليكم قد خلت من قبلى الرّسول افان متّ او قتلت انقلبتم على أعقابكم { { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } [آل عمران:144]، الا وانّ عليّاً الموصوف بالصّبر والشّكر ثمّ من بعده ولدى من صلبه، معاشر النّاس، لا تمنّو على الله اسلامكم فيسخط عليكم ويصيبكم بعذابٍ من عنده انّه لبالمرصاد، معاشر النّاس، سيكون من بعدى ائمّة يدعون الى النّار ويوم القيامة لا ينصرون، معاشر النّاس، انّ الله وانا بريئان منهم، معاشر النّاس، انّهم واشياعهم واتباعهم وانصارهم فى الدّرك الاسفل من النّار ولبئس مثوى المتكبّرين، الا انّهم اصحاب الصّحيفة فينظر أحدكم فى صحيفته (قال: فذهب على النّاس الاّ شرذمة امر الصّحيفة) معاشر النّاس، انّى ادعها امامة ووراثة فى عقبى الى يوم القيامة، وقد بلّغت ما أمرت بتبليغه حجّة على كلّ حاضر وغائب وعلى كلّ احد ممّن شهد او لم يشهد ولد او لم يولد، فليبلغ الحاضر الغائب والوالد والولد الى يوم القيامة وسيجعلونها ملكاً اغتصاباً، الا لعن الله الغاصبين والمغتصبين وعندها { { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } [الرحمن:31] { { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } [الرحمن:35]، معاشر النّاس، انّ الله عزّ وجلّ لم يكن يذركم على ما انتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب، معاشر النّاس، انّه ما من قريةٍ الاّ والله مهلكها بتكذيبها وكذلك يهلك القرى وهى ظالمة كما ذكر الله تعالى، وهذا امامكم ووليّكم وهو مواعيد الله والله يصدق ما وعده، معاشر النّاس، قد ضلّ قبلكم اكثر الاوّلين والله لقد اهلك الاوّلين وهو مهلك الآخرين، معاشر النّاس، انّ الله قد أمرنى ونهانى وقد أمرت عليّاً ونهيته فعلم الامر والنّهى من ربّه عزّ وجلّ فاسمعوا لأمره تسلموا، وأطيعوه تهتدوا، وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا الى مراده ولا يتفرّق بكم السّبيل عن سبيله، انا صراط الله المستقيم الّذى امركم باتّباعه ثمّ علىٌّ من بعدى ثمّ ولدى من صلبه ائمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون. ثمّ قرأ (ص) الحمد لله رب العالمين (الى آخرها) وقال، فىّ نزلت وفيهم نزلت ولهم عمّت وايّاهم خصّت، اولئك { { أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [يونس:62] { { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [المجادلة:22]، الا انّ اعداء علىٍّ هم اهل الشّقاق العادون، واخوان الشّياطين الّذين يوحى بعضهم الى بعضٍ زخرف القول غروراً، الا انّ اولياء الله هم المؤمنون الّذين ذكرهم الله فى كتابه فقال عزّ وجلّ: { { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [المجادلة:22] (الى آخر الآية) الا انّ اولياء الله هم الّّذين وصفهم الله عزّ وجلّ فقال: { { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } [الأنعام:82]، الا انّ اولياء الله هم الّّذين يدخلون الجنّة آمنين وتتلقّاهم الملائكة بالتّسليم ان طبتم فادخلوها خالدين، الا انّ اولياء الله هم الّذين قال الله عزّ وجلّ { { يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } [غافر:40] الا انّ اعداءهم الّذين يصلون سعيراً، الا انّ اعداءهم الّذين يسمعون لجهنّم شهيقاً وهى تفور ولها زفير { { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [الأعراف:138] (الآية)، الا انّ اعداءهم الّّذين قال الله عزّ وجل { { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ } [الملك:8] (الآية)، الا انّ اولياء الله هم الّذين يخشون ربّهم بالغيب لهم مغفرة واجر كبيرٌ، معاشر النّاس، شتّان ما بين السّعير والجنّة، عدوّنا من ذمّه الله ولعنه ووليّنا من أحبّه الله ومدحه، الا وانّى منذرٌ وعلىٌّ هادٍ، معاشر النّاس، انّى نبىّ وعلىٌّ وصيىّ الا وانّ خاتم الائمّة منّا القائم المهدىّ، الا انّه الظّاهر على الدّين، الا انّه المنتقم من الظّالمين، الا انّه فاتح الحصون وهادمها، الا انّه قاتل كلّ قبيلة من اهل الشّرك، الا انّه مدرك كلّ ثأرٍ لاولياء الله عزّ وجلّ، الا انّه ناصر دين الله عزّ وجلّ، الا انّه الغرّاف من بحرٍ عميقٍ، الا انّه يسمّ كلّ ذى فضل بفضله وكلّ ذى جهل بجهله، الا انّه خيرة الله ومختاره، الا انّه وارث كلّ علمٍ والمحيط به، الا انّه المخبر عن ربّه عزّ وجلّ المنبّه بأمر ايمانه، الا انّه الرّشيد السّديد، الا انّه المفوّض اليه، الا انّه قد بشّر به من سلف بين يديه، الا انّه الباقى حجّة ولا حجّة بعده ولا حقّ الاّ معه ولا نور الاّ عنده، الا انّه لا غالب له ولا منصور عليه، الا انّه ولىّ الله فى ارضه، وحكمه فى خلقه، وامينه فى سرّه وعلانيته، معاشر النّاس، قد بيّنت لكم وأفهمتكم وهذا علىٌّ يفهمكم بعدى، الا وانّ عند انقضاء خطبتى ادعوكم الى مصافقتى على بيعته والاقرار به ثمّ مصافقته من بعدى، الا وانّى قد بايعت الله وعلىٌّ قد بايعنى وانا آخذكم بالبيعة له عن الله عزّ وجلّ، ومن نكث فانّما ينكث على نفسه (الآية). معاشر النّاس، انّ الحجّ والصّفا والمروة والعمرة من شعائر الله فمن حجّ البيت او اعتمر (الآية)، معاشر النّاس، حجّوا البيت فما ورده اهل بيت الاّ استغنوا ولا تخلّفوا عنه الاّ افتقروا، معاشر النّاس، ما وقف بالموقف مؤمن الاّ غفر الله له ما سلف من ذنبه الى وقته ذلك، فاذا انقضت حجّته استأنف عمله، معاشر النّاس، الحجّاج معانون ونفقاتهم مخلّفة والله لا يضيع اجر المحسنين، معاشر النّاس، حجّوا البيت بكمال الدّين والتّفقه ولا تنصرفوا عن المشاهد الاّ بتوبةٍ واقلاعٍ، معاشر النّاس، اقيموا الصّلوة وآتوا الزّكوة كما أمركم الله عزّ وجلّ لئن طال عليكم الامد فقصّرتم او نيستم فعلىٌّ وليّكم ومبيّن لكم، الّذى نصبه الله عزّ وجلّ بعدى من خلّفه الله منّى ومنه يخبركم بما تسألون منه ويبيّن لكم ما لا تعلمون، الا انّ الحلال والحرام اكثر من أحصيهما واعرّفهما، فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام فى مقامٍ واحدٍ فأمرت ان أخذ البيعة عليكم والصّفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله عزّ وجلّ فى علىٍّ امير المؤمنين، والائمّة من بعده الّذين هم منّى ومنه امّة قائمة ومنه امّة قائمة ومنهم المهدىّ الى يوم القيامة الّذى يقضى بالحقّ، معاشر النّاس، وكلّ حلالٍ دللتكم عليه وكلّ حرامٍ نهيتكم عنه فانّى لم ارجع عن ذلك ولم - ابدّل، الا فاذكروا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدّلوه ولا تغيّروه، الا وانّى اجدّد القول، الا فأقيموا الصّلوة وآتوا الزّكوة وامروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، الا وانّ رأس الامر بالمعروف ان تنتهوا الى قولى وتبلّغوه من لم يحضره وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته فانّه امر من الله عزّ وجلّ ومنّى، ولا امر بمعروف ولا نهى عن منكر الاّ مع امام، معاشر النّاس، القرآن يعرّفكم انّ الائمّة من بعده ولده وعرّفتكم انّهم منّى ومنه حيث يقول الله { { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } [الزخرف:28] وقلت: لن تضلّوا ما ان تمسّكتم بهما، معاشر النّاس، والتّقوى التّقوى احذروا السّاعة كما قال الله تعالى، { { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } [الحج:1]، اذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبة بين يدى ربّ العالمين، والثّواب والعقاب فمن جاء بالحسنة اثيب، ومن جاء بالسّيئة فليس له فى الجنان نصيب، معاشر النّاس، انّكم اكثر من ان تصافقونى بكفّ واحدةٍ وامرنى الله عزّ وجلّ ان اخذ من السنتكم الاقرار بما عقدت لعلىٍّ من امرة المؤمنين ومن جاء بعده من الائمّة منّى ومنه على ما أعلمتكم انّ درّيّتى من صلبه فقولوا بأجمعكم انّا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلّغت عن ربّنا وربّك فى امر علىٍّ وامر ولده من صلبه من الائمة نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا، على ذلك نحيى ونموت ونبعث ولا نغيّر ولا نبدّل ولا نشكّ ولا نرتاب ولا نرجع عن عهدٍ ولا ننقض الميثاق ونطيع الله ونطيعك وعليّاً امير المؤمنين وولده الائمّة الّذين ذكرتهم من ذرّيّتك من صلبه بعد الحسن والحسين، الّذين قد عرّفتكم مكانهما منّى ومحلّهما عندى ومنزلتهما من ربّى عزّ وجلّ، فقد ادّيت ذلك اليكم وانّهما سيّدا شباب اهل الجنّة وانّهما الامامان بعد ابيهما علىٌّ وانا ابوهما قبله وقولوا اطعنا الله بذلك واياك وعليّاً والحسن والحسين والائمّة الّّذين ذكرت عهداً وميثاقاً مأخوذاً لامير المؤمنين من قلوبنا وانفسنا والسنتنا ومصافقة أيدينا من ادركهما واقرّ بهما بلسانه لا نبتغى بذلك بدلاً ولا نرى من انفسنا عنه حولاً ابداً، أشهدنا الله وكفى به شهيداً وانت علينا به شهيد، وكلّ من اطاع ممّن ظهرو استتر وملائكة الله وجنوده وعبيده والله اكبر من كلّ شهيدٍ. معاشر النّاس، ما تقولون فانّ الله يعلم كلّ صوت وخافية كلّ نفس فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فانّما يضلّ عليها ومن بايع فانّما يبايع الله عزّ وجلّ، يد الله فوق ايديهم، معاشر النّاس، فاتّقوا الله وبايعوا عليّاً امير المؤمنين والحسن والحسين والائمّة كلمة باقية يهلك الله من غدر ويرحم الله من وفى، ومن نكث فانّما ينكث على نفسه، الآية، معاشر النّاس، قولوا الّذى قلت لكم وسلّموا على علىٍّ بامرة المؤمنين وقولوا { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } [البقرة:285] وقولوا: الحمد لله الّذى هدانا لهذا وما كنّا لنهتدى لولا ان هدانا الله، معاشر النّاس، انّ فضائل علىّ بن أبى طالبٍ عند الله عزّ وجلّ وقد انزلها علىٌّ فى القرآن اكثر من ان احصيها فى مكانٍ واحدٍ فمن أنبأكم بها وعرّفها فصدّقوه، معاشر النّاس، من يطع الله ورسوله وعليّاً والائمّة الّذين ذكرتهم فقد فاز فوزاً مبيناً، معاشر النّاس، السّابقون الى مبايعته وموالاته والتّسليم عليه بامرة المؤمنين اولئك هم الفائزون فى جنّات النّعيم، معاشر النّاس، قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول فان تكفروا انتم ومن فى الارض جيمعاً فلن يضرّ الله شيئاً، اللّهمّ اغفر للؤمنين والمؤمنات واغضب على الكافرين والكافرات والحمد لله ربّ العالمين. فناداه القوم، نعم سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا والسنتنا وأيدينا وتداكّوا على رسول الله (ص) وعلى علىّ (ع) وصافقوا بأيديهم فكان اوّل من صافق رسول الله (ص) الاوّل والثّانى والثّالث والرّابع والخامس وباقى المهاجرين والانصار وباقى النّاس على طبقاتهم وقدر منازلهم الى ان صلّيت العشاء والعتمة فى وقتٍ واحدٍ، وواصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً ورسول الله يقول كلّما بايع قوم: الحمد لله الّذى فضّلنا على جميع العالمين وصارت المصافقة سنّة ورسماً يستعملها من ليس له حقّ فيها.