التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ
٨٧
-المائدة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالبيعة الخاصّة الولويّة على ان يكون النّظر الى من نزلت فيه، فانّهم كانوا ثلاثة منهم امير المؤمنين (ع) ولا يكون مرافقة علىّ (ع) فى الارتياض الاّ لمن كان مثله داخلاً فى قلبه الايمان سالكاً الى الله رفيقاً له فى الطّريق، او بالبيعة العامّة النّبويّة على ان يكون النّظر الى التّعميم وان كان النّزول خاصّاً لانّ النّهى عامّ للمسلمين { لاَ تُحَرِّمُواْ } على انفسكم { طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } اعلم، انّ الانسان ذو مراتب عديدة بعضها فوق بعضٍ الى ما لا نهاية له، والتّكاليف الآلهيّة الورادة عليه ليست لمرتبةٍ خاصّة منه بل كما عرفت سابقاً للمفاهيم الواردة فى التّكاليف مصاديق متعدّدة بتعدّد مراتب الانسان بعضها فوق بعضٍ، فكلّما ورد فى الشّريعة المطهّرة من الالفاظ فهى مقصودة من حيث مفاهيمها العامّة باعتبار جميع مصاديقها بحيث لا يشذّ عنها مصداق من المصاديق فالانسان بحسب مرتبته النّباتيّة له محلّلات آلهيّة، وبحسب مرتبته الحيوانيّة اخرى، وبحسب الصّدر اخرى، وبحسب القلب اخرى، وبحسب الرّوح اخرى، والتّحريم الآلهىّ فى كلّ مرتبة بحسبه، وكذا تحريم الانسان على نفسه فالمحلّلات بحسب مرتبته الحيوانيّة والنّباتيّة ما اباح الله له من المأكول والمشروب والملبوس والمركوب والمنكوح والمسكن والمنظور، وبحسب الصّدر ما اباح الله له من الافعال الاراديّة والاعمال الشّرعيّة والتّدبيرات المعاديّة والمعاشيّة والاخلاق الجميلة والمكاشفات الصّوريّة، وبحسب القلب ما اباح الله له من الاعمال القلبيّة والواردات الآلهيّة والعلوم اللّدنيّة والمشاهدات المعنويّة الكلّيّة، وهكذا فى سائر المراتب، والطّيّبات من ذلك فى كلّ مرتبة ما تستلذّه المدارك المختصّة بتلك المرتبة، ومطلق المباح فى كلّ مرتبةٍ طّيب بالنّسبة الى مباح المرتبة الدّانيّة منه، وان الله تعالى يحبّ ان يؤخذ برخصه كما يحبّ ان يؤخذ بعزائمه، ولا يحبّ الشّره والاعتداء فى رخصه بحيث يؤدّى الى الانتقال الى ما هو حرام محظور باصل الشّرع، او بحيث يؤدّى الى صيرورة المباح حراماً بعرض التّجاوز عن حدّ التّرخيص بالاكثار فيه كما لا يحبّ الامتناع عن رخصه، فمعنى الآية يا ايّها الّذين آمنوا لا تمتنعوا من الرّخص ولا تحرّموا بقسم وشبهة ولا بكسل ونحوه على انفسكم ما تستلذّه المدارك بحسب كلّ مرتبة وقوّة ممّا اباحه الله لكم، لانّ الله يحبّ ان يرى عبده مستلذّاً بما اباحه له كما يحبّ ان يراه مستلذّاً بعباداته ومناجاته، ولا تمتنعوا بالاكتفاء بمستلذّات المرتبة الدّانية عن مستلذّات المرتبة العالية، فانّه يحبّ ان يرى عبده مصرّاً على طلب مستلذّات المرتبة العالية كما يحبّ ان يراه فى هذه الحالة معرضاً عن مباحات المرتبة الدّانية مكتفياً بضروريّاتها وراجحاتها، ولا تعتدوا عمّا اباح الله الى ما حظره او فى المباح الى حدّ الحظر، والآية اشارة الى التّوسّط بين التّفريط والافراط فى كلّ الامور من الافعال والطّاعات والاخلاق والعقائد والسّير الى الله فانّ المطلوب من السّائر الى الله ان يكون واقعاً بين افراط الجذب وتفريط السّلوك.