التفاسير

< >
عرض

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ
١١٢
-الأنعام

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَكَذَلِكَ } اى كما جعلنا لك عدوّاً من قومك { جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً } يعنى لا تحزن على معادات قومك فانّ سّنتنا على وفق حكمتنا جرت بجعل العدوّ للكلّ نبىّ ليكون تكميلاً لهم واصلاحاً لامّتهم وسبباً لامتياز المنافق منهم عن الموافق واظهاراً لفضائلهم على السنة حسّادهم، فانّ فضل المحسود كثيراً يظهر على لسان الحاسد واحتجاجاً على طالبى الدّين بمعاداة المعاندين، فانّ معاند الانبياء لا يظهر بمعاداته الا اتّباعه الهوى وارادة الدّنيا وادباره عن الآخرة، لانّ الانبياء لا يعارضون احداً فى امور الدّنيا بل يدعون النّاس فى كمال الشّفقة الى الآخرة، وهذا تسلية للرّسول (ص) وسائر المؤمنين، والعدوّ ضدّ الصّديق يستوى فيه الواحد والكثير والمذكّر والمؤنّث ولذا ابدل عنه الجمع { شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } اعلم، انّ الانسان وجملة عالم الطّبع واقع بين العالمين العلوىّ والسّفلىّ كما سبق ولاهل كلّ من العالمين جهة تسلّط وتصرّف فى الانسان، وعالم الطّبع والعالم السّفلىّ مهوى الشّياطين والجنّ ودار الاشقياء وجحيمهم، والعالم العلوىّ القريب من عالم الطّبع مقرّ الملائكة ذوى الاجنحة دون المقرّبين، فانّ عالمهم اعلى من ذلك والانسان قابلٌ لتصرّف اهل العالمين وله امكان التّوجّه الى كليهما، فمن توجّه بسوء اختياره الى السّفلىّ وقبل تصرّف الشّياطين والجنّة وتمكّن فى ذلك القبول ولم يبق له جهة استعداد قبول تصرّف الملائكة صار مظهراً للشّياطين ومتحقّقاً بهم بحيث لم يكن فى وجوده الاّ الشّيطان وكان فعله فعله وامره امره وخلقه خلقه وقوله قوله كما قيل بالفارسىّ:

جون برى غالب شود بر آدمى كم شود از مرد وصف مردمى
هرجه كويد او برى كفته بود زين سرى نه زان سرى كفته بود

وان كان مع ذلك باقياً عليه بعض اوصاف الانسان كان شيطان الانس وان لم يكن كان شيطان الجنّ، ويحتمل ان يكون المراد بشياطين الجنّ، الجنّة الّتى تؤذى من طريق الباطن وعلى اىّ تقدير فالمقصود التّعريض بالحبتر والزّريق كما فى الخبر، ومن توجّه بتوفيق الله الى العالم العلوىّ وقبل تصرّف اهله وتمكّن فى ذلك بحيث لم يبق له استعداد تصرّف الشّيطان صار مظهراً للملائكة بل لله وكان فعله وقوله وخلقه ظهور افعال الملائكة واقوالهم واخلاقهم كما قيل:

جون برى را اين دم وقانون بود كرد كَارآن يرى خود جون بود
يس خداوند برى وآدمى از يرى كى باشدش آخر كمى

وعن الصّادق (ع): من لم يجعله الله من اهل صفة الحقّ فاولئك شياطين الانس والجنّ { يُوحِي } اى يلقى او يوحى من طريق الباطن شياطين الجنّ الى شياطين الانس { بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ } حسن القول الكاذب بتمويهه { غُرُوراً } وحى غرور او للغرور او غارّاً { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } فلا تبتئس بما فعلوا فانّه بمشيّتنا وفيه مصالح وحكم لكم { فَذَرْهُمْ } من غير تعرّض لهم بالرّدّ والقبول { وَمَا يَفْتَرُونَ } ليقولوا ما يريدون حتّى يجرى حكمنا ومصالحنا.