التفاسير

< >
عرض

وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ
١٢٠
-الأنعام

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَذَرُواْ ظَاهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } من قبيل اضافة الصّنف الى النّوع او اضافة جهتى الشّيء الواحد اليه او جزئى الشّيء المركّب اليه.
اعلم، انّ الانسان اعنى اللّطيفة السّيّارة الانسانيّة واقع بين عالمى النّور والظّلمة والاطلاق والتّقييد والوحدة والكثرة والملائكة والجنّة، ووجوده يكون دائماً فى الخروج من القوّة الى الفعل مثل سائر الكائنات، وهذا معنى قولهم: الكون فى التّرقّى فاذا كان افعاله واقواله وعلومه وعقائده وخطراته وخيالاته ناشئةً من توجّهه الى عالم النّور، او قرينة لذلك التّوجّه كان خروجه من القوّة الى فعليّة النّور ومن التّقييد الى الاطلاق ومن الظّلمة الى النّور وكانت هذه منه طاعة ومرضيّة وعبادة، واذا كانت تلك ناشئة من توجّهه الى عالم الظّلمة او قرينة لغفلته عن الله تعالى وعن عالم النّور كان خروجه من القوّة الى فعليّة الظّلمة ومن الاطلاق الى التّقييد ومن النّور الى الظّلمة، وكانت هذه منه اثماً وذنباً ومعصية سواء كانت بصورة الطّاعات او لم تكن، والى هذا اشارة الصّادق (ع) بقوله: من كان ذاكراً لله على الحقيقة فهو مطيع ومن كان غافلاً عنه فهو عاصٍ، والطّاعة علامة الهداية والمعصية علامة الضّلالة واصلهما من الذّكر والغفلة وقوله تعالى:
{ { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة:257] (الى آخر الآية) اشارة الى انّ الايمان يقتضى التّوجّه الى عالم النّور، وذلك التّوجّه يقتضى الخروج من القوّة الى فعليّة النّور، والكفر بعكس ذلك، وانّ الانسان اذا تمكّن من التّوجّه الى عالم الظّلمة صار متجوهراً بالظّلمة واصلاً لكلّ الظّلمات ومتحقّقاً بالاثم واصلاً لكلّ الآثام، واذا تمكّن فى التّوجّه الى عالم النّور صار متجوهراً بالنّور واصلاً لكلّ الانوار بعد نور الانوار، ولذلك كان محمّد (ص) وعلىّ (ع) اصلاً لكلّ حسن واليهما يرجع حسن كلّ حسن، واذا لم يتمكّن فى شيءٍ منهما فامّا ان ينضّم بتوجّهه الفطرىّ الى التّوجّه الاختيارىّ بالبيعة العامّة او الخاصّة الصّحيحة او الفاسدة او لا ينضمّ، وكلٌّ من الثّلاثة ما صدر منه من حيث التّوجّه الفطرىّ او الاختيارىّ الى عالم النّور كان حسناً وصواباً، وما صدر منه من حيث التّوجّه الى عالم الظّلمة كان اثماً وذنباً، اذا عرفت هذا، فصحّ تفسير ظاهر الاثم بمخالفة علىّ وباطنه بالنّفاق معه وبالزّنا الظّاهر والزّنا الخفىّ وبنكاح زوجة الأب والزّنا وبأعمال الجوارح السّيئّة والعقائد والرّذائل والخيالات والخطرات والعزمات والنّيّات، وباتّباع مخالفى علىٍّ (ع) والمنافقين معه وبالسّيئّات الشّرعيّة وصور الحسنات الشّرعيّة الفاسدة، والمقصود منه النّهى عن متابعة المخالفين والمنافقين وعن ارتكاب ما ينشأ عن متابعتهما كائناً ما كان كما انّ المقصود ممّا يأتى الامر بمتابعة محمّد (ص) وعلىّ(ع) المشار اليه بقوله تعالى فمن كان ميتاً فأحييناه (الآية) { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ } يحصّلون ما ينشأ من متابعتهما { سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ } الاقتراف الاكتساب او فعل الاثم وهو فى موضع تعليل للاوّل.