التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
١٥٩
-الأنعام

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } الدّين يقال لكلّ سيرهٍ وسنّة، النّاس على دين ملوكهم، وعلى السّيرة الشّرعيّة الآلهيّة، اليوم اكملت لكم دينكم، وللجزاء مالك يوم الدّين، ويطلق على الاسلام والعادة والعبادة والطّاعة والّذلّ والحساب والقهر والاستعلاء والملك والحكم والتّدبير والتّوحيد وجميع ما يتعبّد الله به، والملّة والخدمة والاحسان وعلى غير ذلك من المعانى، والتّحقيق انّ حقيقة الدّين هى الطّريق من القلب الى الله والسّير الى ذلك الطّريق او عليه ويسمّى بالطّريقة وهما الولاية التّكوينيّة المعبّر عنها بالحبل من الله، والولاية التّكليفيّة المعبّر عنها بالحبل من النّاس وبالولاية التّكليفيّة ينفتح باب ذلك الطّريق وصاحب الولاية المطلقة هو علىّ (ع) وهو متّحد مع الولاية المطلقة، والولايات المقيّدة اظلال من هذه الولاية ولذلك صار علىّ (ع) خاتم الولاية وكلّ الانبياء (ع) والاولياء (ع) يكونون تحت لوائه، وكلّما يسمّى ديناً من الشّرائع الآلهيّة فانّما يسمّى ديناً لاتّصاله بالولاية وارتباطه بحقيقة الدّين، وتسمية السّيرة الغير الآلهية بالدّين من باب المشاكلة مع السّيرة الآلهيّة فعلى قراءة فرّقوا، فالمعنى انّ الّذين فرّقوا دينهم الّذى هو ما وصل اليهم من طريق القلب بالولاية التّكوينيّة من فيض العقل على الاهوية الفاسدة او ما وصل اليهم من هذا الطّريق بالولاية التّكليفيّة من الايمان الّذى دخل فى قلوبهم على الاغراض الكاسدة والمهامّ المتبدّدة، فانّ الانسان اذا صار مقبلاً على النّفس والدّنيا كان يفرّق كلّما يصل اليه من جهة الآخرة على جهات النّفس ونعم ما قيل:

انصتوا يعنى كه آبت را بلاغ هين تلف كم كن كه لب خشك است باغ

او المعنى فرّقوا دينهم وبعّضوه بان آمنوا ببعض وكفروا ببعض، او المعنى افترقوا فى دينهم بان اختار كلّ منهم ديناً غير دين الآخر، كما ورد من افتراق الامّة على ثلاث وسبعين فرقة، وقرئ فارقوا دينهم اى فارقوا ولايتهم التّكوينيّة من الغفلة التامّة عن طريق القلب او فارقوا ولايتهم التّكليفيّة بالهجرة والغفلة عن ذكرهم الّذى دخل فى قلوبهم او فارقوا عليّاً (ع) كما علمت، وكما ورد فى الخبر انّ الآية فارقوا دينهم وانّ المراد المفارقة عن علىّ (ع) { وَكَانُواْ شِيَعاً } متفرّقة يشيع كلّ منهم هوى او غرضاً او اماماً باطلاً او يصير كلّ منهم مشايعاً لاهوية عديدة او اغراض عديدة او ائمّة عديدة بجعل كلّ واحد كأنّه فرق مختلفة كما قال تعالى: { { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ } [الزمر:29] وكما قيل بالفارسية: "ترا يكدل دادم كه دران يك دلبر كيرى نه آنكه آن يكدل راصد باره كنى وهربارهء را دنبال مهمّى آواره" { لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } اى لست متمكّناً منهم فى شيءٍ من التّمكّن فانّ تمكّنك امّا بتمكّن صورتك الملكوتيّة فى قلوبهم، او بتمكّن الّذكر الّذى اخذوا منك بالولاية التّكليفيّة فى قلوبهم، او بتمكّن الانقياد الّذى اخذوه منك بالبيعة العامّة فى صدورهم فانّ الكلّ من شؤنك ونازلتك، او لست من شفاعتهم فى شيءٍ، او لست من مسائلتهم ومحاسبتهم او عذابهم فى شيءٍ، او لست من مجانستهم فى شيءٍ ومرجع الكلّ الى تمكّنه (ص) فى قلوبهم باحد الوجوه المذكورة، ولفظة منهم خبر لست او حال مقدّم من شيءٍ، وكلمة من بيانيّة او ابتدائية او تبعيضيّة { إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ } لانّك لست ولىّ امرهم بانحرافهم عنك فامرهم وحكمهم مفوّض او راجع الى الله { ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } فى تفرّقهم فيجازيهم على حسبه.