التفاسير

< >
عرض

فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
٩٦
-الأنعام

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } خبراً بعد خبرٍ لانّ، او مستأنفة ان كان مستأنفاً، او خبراً بعد خبر لذلكم { وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً } وقت راحة من سكن اليه اذا انس به واطمأنّ او وقت سكون عن الحركة وقرئ جاعل اللّيل وعلى قراءة جعل فالاختلاف بالاسم والفعل، كأنّه للاشارة الى انّ اقتضاء اللّيل السّكون امر ذاتىّ له لا عرضىّ محتاج الى تجديد الجعل بتجديد اللّيل، بل جعله سكناً لازم لخلقته اوّلاً بخلاف فلق الاصباح، واللّيل اعمّ من ليل اليوم وليل عالم الطّبع وليل عالم الجنّة وليل صروف الدّهر من القحط والزّلازل وكثرة القتل والنّهب وكثرة الامراض وغيرها، وكلّ مرتبة من مراتب العالم الكبير او الصّغير جهتها الدّانية ليل بالنّسبة الى جهتها العالية، هذا فى العالم الكبير وليل الطّبع والنّفس والجهل والشّهوات والامراض والبلايا والاحزان فى الصّغير { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً } سببى حسبان للاوقات لتجاراتكم وزراعاتكم وديونكم ومواعيدكم وقد يعبّر عن الولاية والنّبوّة وعن الولىّ والنّبىّ بالشّمس والقمر، والحسبان حينئذٍ يكون بمعنى المحاسب او ميزان الحساب فانّهما شاهدان ومحاسبان على الجليل والقليل وهما اللّذان يعبّر عنهما الصّوفيّة بالشّيخ المرشد والشّيخ الدّليل فانّهما فى اصطلاحهم اعمّ من الولىّ والنّبىّ وخلفائهما والنّبوّة كالقمر تكسب النّور من الولاية كالدّليل من المرشد وقد يعبّر بهما عن العقل الكلّىّ والنّفس الكلّيّة وقد يعبّر عن العقل الجزوىّ والنّفس الجزويّة او العقل الجزوىّ والقلب او آدم وحوّاء، كلّ ذلك فى العالم الصّغير وعلى كلّ التّقادير، فالحسبان بمعنى المحاسب او ميزان الحساب { ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } لمّا كان المراد من هذه المقدّمات تصوير تدبيره لمعاش الخلق بحيث لم يشذّ شيءٌ ممّا يحتاجون اليه فى المعاش حتّى يكون برهاناً قاطعاً على عدم اهمالهم فيما يحتاجون اليه فى امر المعاد المشار اليه بقوله { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا }.