التفاسير

< >
عرض

فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ
١٦٦
-الأعراف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ } من عطف التّفصيل على الاجمال { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } مطرودين عن كلّ خيرٍ، عن علىّ بن الحسين (ع) انّه قال: كان هؤلآء قوم يسكنون على شاطئ بحرٍ نهاهم الله تعالى وانبياؤه (ع) عن اصطياد السّمك فى يوم السّبت فتوصّلوا الى حيلةٍ ليحلّوا بها لانفسهم ما حرّم الله، فخدّوا اخاديد وعملوا طرقاً تؤدّى الى حياض يتهيّئ للحيتان الدّخول فيها من تلك الطّرق ولا يتهيّئ لها الخروج اذا همّت بالخروج، فجائت الحيتان يوم السّبت جارية على امانٍ لها فدخلت الاخاديد وحصلت فى الحياض والغُدران، فلمّا كانت عشيّة اليوم همّت بالرّجوع منها الى اللّجج لتأمن من صائدها، فرامت الرّجوع فلم تقدر وبقيت ليلها فى مكان يتهيّئ اخذها بلا اصطياد لاسترسالها فيه وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها، وكانوا يأخذون يوم الاحد يقولون: ما اصطدنا فى السّبت انّما اصطدنا فى الاحد، وكذب اعداء الله بل كانوا آخذين لها باخاديدهم الّتى عملوها يوم السّبت، حتّى كثر من ذلك مالهم وثراهم وتلقّموا بالنّساء وغيرهنّ لاتّساع ايديهم به، وكانوا فى المدينة نيّفاً وثمانين الفاً فعل هذا منهم سبعون الفاً انكر عليهم الباقون كما قصّ الله، { { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } { الأعراف: 163 } وذلك انّ طائفة منهم وعظوهم وزجروهم ومن عذاب الله خوّفوهم ومن انتقامه وشدائد بأسه حذّروهم فأجابوهم من وعظهم: لم تعظون قوماً الله مهلكهم بذنوبهم هلاك الاصطلام او معذّبهم عذاباً شديداً، اجاب القائلون هذا معذرة الى ربّكم هذا القول منّا لهم معذرة الى ربّكم اذا كلّفنا الامر بالمعروف والنّهى عن المنكر فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربّنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهم قالوا ولعلّهم يتّقون، ونعظهم ايضاً لعلّهم ينجع فيهم المواعظ فيتّقوا هذه الموبقة ويحذروا عقوبتها، قال الله تعالى فلمّا عتوا حادوا واعرضوا وتكبّروا عن قبول الزّجر عمّا نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين، مبعدين من الخير مبغضين، فلمّا نظر العشرة الالاف والنّيف انّ السّبعين الفاً لا يقبلون لو اعظهم ولا يخافون بتخويفهم ايّاهم وتحذيرهم لهم اعتزلوهم الى قرية اخرى وانتقلوا الى قرية من قراهم، وقالوا نكره ان ينزل بهم عذاب الله ونحن فى خلالهم، فأمسوا ليلة فمسخهم الله كلّهم قردة وبقى باب المدينة مغلقاً لا يخرج منه احد ولا يدخله احد، وتسامع بذلك اهل القرى فقصدوهم وسموا حيطان البلد فاطّلعوا عليهم فاذا هم كلّهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم فى بعضٍ، يعرف هؤلاء النّاظرون معارفهم وقراباتهم وخلطائهم يقول المطّلع لبعضهم: انت فلان وانت فلانة فتدمع عينه ويومى برأسه او بفمه بلا او نعم؛ فما زالوا كذلك ثلاثة ايّام ثمّ بعث الله تعالى مطراً وريحاً فحرفهم الى البحر وما بقى مسخ بعد ثلاثة ايّام؛ وانّما الّذين ترون من هذه المصوّرات بصورها فانّما هى اشباهها لا هى بأعيانها ولا من نسلها.