التفاسير

< >
عرض

وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
١٩٨
خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ
١٩٩
-الأعراف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } صرف الخطاب منهم الى محمّدٍ (ص) اشعاراً بانّهم بعد ما ظهر وقاحتهم وسفاهتهم لا ينبغى التّخاطب معهم { وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ خُذِ ٱلْعَفْوَ } شبّه العفو بالوحشىّ الشّارد لتعسّر الاتّصاف به ثمّ استعمل الاخذ فيها استعارة تخييلية وترشيحاً لها والمراد منه اعمّ من الصّفح فانّهما كالفقراء والمساكين اذا اجتمعا افترقا، واذا افترقا اجتمعا { وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } ولمّا لم يكن النّظر إلى خصوص المعفوّ عنه والمأمور بالمعروف اسقط المفعول بخلاف الاعراض فانّه مختصّ بالجاهل ولذا قيّده فقال { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } وقد فسّر العفو فى الخبر بالميسور من الافعال والاخلاق وبالوسط من الاموال وهو من سعة وجوه القرآن، اعلم انّ هذه الثّلاث امّهات اخلاق المعاشرة ونتائج امّهات الاخلاق الجميلة النّفسيّته فانّ المعاشر امّا معاند مسيء، وامّا محبّ مقبل، وامّا جاهل غير معاند وغير مقبل، وجميع آداب حسن المعاشرة مع المعاند مطويّة فى ترك مقابلة اساءته بالانتقام وهو العفو وتخلية القلب من تذكّر سوء صنيعته وهو الصّفح وهما من نتائج الشّجاعة والعفّة والحكمة الّتى هى من امّهات الخصائل، فانّ الجبان لا يمكنه ترك الانتقام وان منع جبنه عن الانتقام فلا يمكنه الصّفح، والمتهوّر لا يترك الانتقام البتّة والعفيف يمنعه عفّته عن مطاوعة النّفس بخلاف الشّره، والحكيم يرى انّ فى ترك الانتقام راحةً فى العاجل ودرجة فى الآجل وكسراً لسورة عناد المعاند وجذباً للمحبّة والعدالة الّتى هى احدى امّهات الخصائل ايضاً تقتضى ذلك، فانّ اجمال العدالة اعطاء كلّ ذى حقّ حقّه وحقّ النّفس مطاوعتها للعقل وحقّ المسيء اصلاحه حتّى يترك الاساءة لا انتقامه حتّى يزيد فى الاساءة، وآداب المعاشرة مع المقبل المحبّ مطويّة فى ارادة خيره فى كلّ حال وارادة خيره بان لا يتركه ونفسه بل يعرّفه معروفه ويأمره به وهو من نتائج الحكمة والعدالة، وآداب المعاشرة مع الجاهل الغير القابل للخير عدم معارضته وترك محادثته بخيره وهو من نتائج الحكمة والعدالة ايضاً وفى الخبر: امر الله نبيّه بمكارم الاخلاق وليس فى القرآن آية اجمع لمكارم الاخلاق منها.