التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٣٢
-الأعراف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } كأنّهم كانوا يعدّون ترك التّزيّن وترك الطّيّب من المأكول والمشروب من لوازم العبادة وطلب الآخرة، فأمرهم اوّلاً بالتّزيّن والاكل والشّرب، وثانياً بانكار تحريمه تأكيداً، والتّوصيف بالاخراج لعباده اشارة الى انّ الزّينة اوّلاً وبالذّات لمن صار عبداً له، ولغيره بتبعيّته لا انّه حرام عليه لعبادته { وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } البدنّى النّباتىّ والحيوانىّ والانسانىّ ومن الرّزق الرّوحانّى من ارزاق النّفوس والقلوب والارواح { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } اعلم، انّ الدّنيا والآخرة خلقتا لخليفة الله بالّذات وهذا احد وجوه قوله: لولاك لما خلقت الافلاك، فمن اتّصل به بالاتّصال التّقليدىّ الّذى هو قبول الدّعوة الظّاهرة وقبول ما اخذ عليه بالبيعة العامّة وعقد يده على يد الخليفة بالمعاهدة الاسلاميّة، او اتّصل به بالاتّصال الايتامىّ الّذى هو قبول الدّعوة الباطنة وقبول ما اخذ عليه بالبيعة الخاصّة وعقد يده على يد الخليفة بالمعاهدة الايمانيّة، فدخل الايمان الّذى هو صورة نازلة من الخليفة فى نازل مراتب قلبه الّذى هو الصّدر، ثمّ دخل صورة اخرى له ملكوتيّة فى مرتبةٍ اخرى من قلبه هى اعلى من تلك المرتبة، وهكذا الى ان يتحقّق بحقيقة الخليفة فهما كانتا له بقدر اتّصاله ويرث من الخليفة بحسبه، ومن لم يتّصل به بشيٍ من الاتّصال فهما عليه حرامان واذا ملك شيئاً من الدّنيا ممّا غلب عليه كان مغصوباً فى يده، ولذلك قال: { هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }، من غير تقييد بالخلوص من يد الغير يعنى سواء غلب عليها غيرهم او لم يغلب عليها، ولمّا لم يمكن غلبة الغير عليها فى الآخرة قال { خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } قرئ خالصةّ بالرّفع وبالنّصب واعراب الآية ان هى مبتدءٌ وللّذين آمنوا خبره، او حال وفى الحيوة الدّنيا خبر، او خبر بعد خبرٍ، او حال عن فاعل آمنوا، او عن المستتر فى الظّرف، او ظرف لغو متعلّق بآمنوا، او بقوله للّذين آمنوا، او بعاملٍ من افعال الخصوص حال، او خبر بعد خبر، او خبر ابتداءٍ اى مغصوب عليها فى الحيوة الدّنيا، وخالصة على قراءة الرّفع خبر هى، او خبر بعد خبرٍ، او خبر مبتدءٍ محذوفٍ، وعلى قراءة النّصب حال من واحد من العوامل السّابقة، وعن الصّادق (ع) بعد ان ذكر انهار الارض فما سقت واستقت فهو لنا وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدوّنا منه شيءٌ الاّ ما غصب، وانّ وليّنا لفى اوسع ممّا بين ذه وذه، يعنى ممّا بين السّماء والارض ثمّ تلا هذه الآية: قل هى للّذين آمنوا فى الحيوة الدّنيا المغصوبين عليها خالصة لهم يوم القيامة بلا غصبٍ، وفى قوله تعالى { { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } [المائدة:5] بعد قوله: { { ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } [المائدة:3] وبعد قوله: { { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة:3] اشارة الى ذلك { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } اى الآيات التّكوينيّة من استحقاق كلّ لما يحقّ له واعطاء كلّ ذى حقّ حقّه بالآيات التّدوينيّة { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } يشتدّون فى السّلوك الى الآخرة ويزدادون فى علمهم، فانّ العلم هو ما كان متعلّقاً بالآخرة مع ازديادٍ واشتدادٍ وكلّ ادراك لم يتعلّق بالآخرة او كان متعلّقاً بها لكن لم يكن له اشتداد بل كان واقفاً او منكوساً بواسطة الاغراض الدّنيويّة لا يسمّى علماً عند اهل الله بل جهلاً، واذا اطلق عليه اسم العلم من باب المشاكلة والموافقة لمخاطباتهم، فقلّما ينفكّ عمّا يشعر بذمّه او ينفى اسم العلم عنه { { وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [البقرة:102]، { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [الروم:7] { { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } ، [النجم:30] وقد سمّاه اشباه النّاس عالماً { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }، ولذلك سمّوا شيعتهم الّذين بايعوهم بالبيعة الخاصّة الولويّة الّذين دخل الايمان فى قلوبهم علماء وعرفاء: شيعتنا العلماء، شيعتنا العرفاء، بطريق الحصر، فمن لم يكن سالكاً الى الآخرة وسائراً الى الله بقدم الايتمام بامامٍ حقٍّ منصوصٍ من الله وان بلغ ما بلغ فى علومه الحكميّة وظنونه الفرعيّة لا يسمّى عالماً وهو لا ينتفع بتفصيل الآيات، لانّ نظره الى الآيات من حيث انفسها، او من حيث جهاتها الدّنيويّه لا من حيث انّها آيات داّلات على الله وعلى امور الآخرة، كما نقل عن الصّادق (ع) انّه قال لابى حنيفة فى جملة كلامه: وما اراك تعرف من كتابه حرفاً، ومن توسّل بهم بالايتمام بالبيعة الولويّة وان لم يكن قرأ حروف التّهجّى فهو عالم عارف وهو المنتفع بالآيات وتفصيلها، لانّ نظره الى الاشياء الآفاقيّة والانفسيّة من حيث صدورها عن الله ودلالتها عليها، ولمّا اباح لهم الاكل والشّرب واكّد ذلك باختصاص الزّينة وطيّبات الرّزق بهم اراد ان يأمر نبيّه (ص) ببيان المحرّمات بالذّات والموجبات لحرمة المباحات بالعرض، ليتبيّن الطّيّب من غير الطّيّب فقال تعالى { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.