التفاسير

< >
عرض

إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ
٣٦
إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ
٣٧
-التوبة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } استيناف لابداء ذمٍّ اخر للمشركين وعلّة اخرى لمقاتلتهم اعلم، انّ الايّام والشّهور الزّمانيّة الّتى ههنا صور للدّهر والدّهر صورة للسرمد، والكلّ ظهور سير شمس الحقيقة فى بروجها السّتّة النّزوليّة والسّتّة الصّعوديّة وغروبها فى افق كرة ارض الطّبع وطلوعها منه وظهور الكلّ علينا بهذا الزّمان الّذى يعبّر عنه باليوم واللّيل والشّهر والعام، فهذه الايّام والاشهر لها حقائق متمايزة فى مراتب الملكوت والجبروت وتلك الحقائق لها آثار وخواصّ ورقائق فى هذه، وما قاله الانبياء (ع) واصحاب الوحى والتّحديث من خواصّها وما جرّبه المجرّبون منها عشر من اعشار خواصّها، وما يترتّب عليها مثل ما قالوا من خواصّ ايّام الاسبوع او ايّام الشّهور، ومثل ما قالوا من خواصّ الشّهور ولمّا جعل المشركون كالطّبيعيّين واكثر العوامّ ما سمعوه منها كالاسمار ولم يستمعوه بسمع الحقيقة والاعتبار بل قالوا: انّ الايّام متشابهة والاشهر متوافقة لا تمايز بينها فى الحقيقة وانّ ما قيل فيها من التّمايز والخواصّ محض اعتبارٍ لا حقيقة له قال تعالى ردّاً عليهم، انّ عدّة الشّهور عند الله كما انّها عندكم اثنى عشر شهراً يعنى ما عندكم من اثنى عشراً قمريّةً فى كلّ عام تقريباً وشمسيّةً فى كلّ عام حقيقةً انّما هى رقائق للحقائق الّتى عندنا، وكلّ منها مظهر لحقيقة من تلك الحقائق ولكلّ خواصّ وآثارٌ ليست لغيره ولذا أتى بالتّميز التّأكيدىّ لاسم العدد تمكيناً فى القلوب ولم يكتف بقوله عند الله وقال { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } اى مكتوب الله او الكتاب المبين الّذى هو العقل او اللّوح المحفوظ { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَات وَٱلأَرْضَ } يعنى قبل استقرارها عندكم وبعد ما بيّن انّ حقائقها عند الله مؤكّداً هذا المعنى بالقيود الثّلاثة بيّن بعض خواصّها بقوله { مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجبٌ ثمّ أكّد حرمتها بقوله { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } الّذى لا عوج فيه يعنى اعتقاد حرمتها والتّصديق بها هو الطّريق القويم الّذى كانت الانبياء عليه فمن عدل عنه كان خارجاً عن طريق الانبياء { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } بان يقتل بعضكم بعضاً وينهب ويأسر، او فلا تظلموا فيهنّ انفسكم بالاعتداء فيهنّ بهتك حرمتها بالمقاتلة فيها وارتكاب سائر ما لاينبغى { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً } فى غير تلك الاشهر لانّهم هتكوا حرمتها بالنسيء بقرينة انّما النّسيء زيادة فى الكفر وفى تلك الاشهر حيث بدؤكم بالقتال فيها بقرينة { كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } واتّقوا هتك حرمة تلك الاشهر { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ } استيناف فى موضع التّعليل للامر بالمقاتلة والمراد بالنّسيء تأخير حرمة الشّهر الحرام الى شهرٍ آخر وتحليل المقاتلة فى ذلك الشّهر الحرام كانوا اذا جاء الشّهر الحرام ولم يريدوا ترك المقاتلة فيه يقولون: هذا الشّهر كسائر الاشهر فنقاتل فيه ونترك القتال فى شهرٍ آخر، وكونه زيادة فى الكفر لانّه بعد الكفر بالله بواسطة الكفر بالرّسول تبديل لاحكام الله المقرّرة عنده المكتوبة فى كتبه العالية قبل خلق هذا العالم { يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } حيث يخرجون من الطّريق القويم المستقيم بالخروج منه { يُحِلُّونَهُ } اى النّسيء او الشّهر الحرام المنسيّ { عَاماً } بيان لضلالتهم { وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ } يوافقوا { عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } عدد الاشهر الّتى حرّمها الله { فَيُحِلُّواْ } بالنّسيء { مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ } جوابٌ لسؤالٍ مقدّرٍ { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } الى الطّريق القويم ولذا احلّوا ما حرّم وحرّموا ما احلّ وزيّن لهم القبائح.