التفاسير

< >
عرض

وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ
٥٤
فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ
٥٥
-التوبة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } عطف باعتبار المقصود، فانّ المقصود من امره (ص) اظهار عدم قبول نفقاتهم فكأنّه تعالى قال لا يقبل منهم نفقاتهم الّتى انفقوها طوعاً او كرهاً وما منعهم ان تقبل نفقاتهم (الى الآخر) يعنى انّ كفرهم بالله منعهم من قبول نفقاتهم فانّ الاعمال كلّها قبولها بالايمان بالله { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ } القالبيّة اظهاراً لاحكام الاسلام { إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ } لعدم نشاطهم بالاعمال الاخرويّة لكفرهم { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ } الخطاب للنّبىّ (ص) والمعنى على، ايّاك اعنى واسمعى يا جارة، او الخطاب عامّ لكلّ من يتأتّى منه الخطاب { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } فى موضع تعليلٍ للنّهى { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } الزّهوق والخروج بصعوبة، اعلم، انّ النّفوس البشريّة لمّا كانت سفليّة ترى الخير فى الجهات الدّنيويّة وان لا خير سواها وهى محصورة فيما اقتضته قوّتاها الشّهويّة والغضبيّة، وما اقتضته الشّهويّة امّا محبوب لها من غير شعور منها بغاية له او محبوب لها لغيره، والاوّل كالاولاد فانّ النّفوس مفطورة على محبّتهم غير شاعرة بغاية لتلك المحبّة، والثّانى كالاموال فانّها محبوبة لغايات عديدة هى محبوبة لها بذاتها، كالمأكول والمشروب والملبوس والمسكون والمنكوحة والمركوب والحشمة والخدم والجاه والعرض وجذب القلوب والصّيت والثّناء وغير ذلك، وقد يصير كثرة المال محبوبة لذاتها اذا غلب الحرص وأعمى صاحبه حتّى انّه يقتّر فى ما اقتضته الشّهويّة حفظاً للمال وحبّاً له، كما انّه قد يصير الاولاد محبوبة لغيرها، وما اقتضته الغضبيّة هو التّبسّط فى البلاد والتّسلّط على العباد وارادة الانتقام وسهولته وانقياد الخلق وطاعتهم وسياسة من خرج منهم من الطّاعة ويتولّد من هذه المذكورات جملة الرّذائل ويختفى بسببها جملة الخصائل ويتوسّل اليها كلّها بكثرة المال والاعوان واقوى الاعوان الاولاد، وامّا الشّيطنة فانّها فى مقتضياتها خادمة للشّهويّة والغضبيّة بوجهٍ فمن رأته صاحب كثرة الاموال والاولاد حسبته صاحب خيرات كثيرة واعجبتها كثرة امواله واولاده وتمنّت ان تكون لها هذه، ولم تدرأنّها شاغلة له عن العلوّ والتّوجّه الى الله متعبةٌ له فى جمعها وحفظها مولمة له بخوف تلفها وحين تلفها؛ ولذلك اقتصر على ذكر الاولاد والاموال ونهى نبيّه (ص) تعريضاً بامّته عن الاعجاب بها كصاحب النّفوس السّفليّة معلّلاً بعذاب الدّنيا والخروج الى الآخرة مع الكفر الموجب لعذاب الآخرة.