{ وإلى مدين أخاهم شعيباً } أي وأرسلنا إلى مدين أخاهم في النسب شعيباً، قيل: هو ولد مدين بن إبراهيم فنسبوه إليه، وقيل: هو إسم المدينة والقبيلة { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } ينفعكم أو يضركم { ولا تنقصوا المكيال والميزان } وكانوا يطففون في ذلك فنهوا عنه { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } أي أموالهم في معاملاتهم { إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط } هذا من كلام شعيب تخويفاً لهم { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } بنحو السرقة وقطع السبيل { بقيَّة الله }، قيل: طاعة الله { خير لكم } من جميع الدنيا لأنها تزول { وما أنا عليكم بحفيظ }، قيل: لا أحفظ أعمالكم { قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك } وكان شعيب (عليه السلام) كثير الصلاة وكان قومه إذ رأوه يصلي تغامزوا وتضاحكوا فقصدوا بقولهم هذا السخرية والهزء، وقوله: { أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل } عطف على قوله: { ما يعبد آباؤنا } أي أو أن نترك فعلنا { في أموالنا } على قضية مرادنا، وقيل: كان ينهاهم عن خدف الدراهم والدنانير وتقطيعها { إنك لأنت الحليم الرشيد } يعني الصالح في نفسه المرشد لغيره، وقيل: قالوا ذلك استهزاء، وقيل: أنت الحليم الرشيد في قومك فهذا الأمر لا يليق بك، وقيل: معناه أنت السفيه الغاوي، فقال لهم شعيب: { يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي } يعني حجة من ربي { ورزقني منه رزقاً حسناً }، قيل: حلالاً طيباً، وقيل: علماً ومعرفة، وقيل: هو النبوة والشرع { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه }، يقال: خالفني فلان إلى كذا يعني أن أسبقكم إلى شهواتكم التي أنهاكم عنها { ان أريد إلاَّ الاصلاح ما استطعت } ما أريد إلاَّ أصلحكم نصيحتي وموعظتي وأمري بالمعروف ونهيي عن المنكر ما استطعت أي مدة استطاعتي { وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب }، قيل: إليه أرجع في جميع أموري { ويا قوم لا يجرمنَّكم شقاقي } أي لا يحملنكم وأصل الجرم القطع أي لا يحملنكم مخالفتي { أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح } من الهلاك بالغرق { أو قوم هود } بالريح { أو قوم صالح } بالصيحة { واستغفروا ربكم } أي اطلبوا منه المغفرة { ثم توبوا إليه } أي توصلوا إليه بالتوبة، وقيل: استغفروه بالتوبة { إن ربي رحيم ودود } يحب المؤمنين { قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً } مما تقول من العدل والتوحيد { وإنا لنراك فينا ضعيفاً }، قيل: ضعيف البدن { ولولا رهطك } أي عشيرتك { لرجمناك } بالحجارة، وقيل: شتمناك { وما أنت علينا بعزيز } أي لا تعز علينا { قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله }، قيل: أي تراقبون في قومي ولا تراقبون الله { واتخذتموه } أي نسيتم الله { وراءكم ظهرياً } أي نبذتموه وراء ظهوركم وتركتم أمره { ويا قوم اعملوا على مكانتكم } أي اعملوا أنتم على ما تقولون وأعمل أنا على ما أقول، وقيل: ما أنتم عليه من دينكم ونحوه { لكم دينكم ولي دين } { وارتقبوا إني معكم رقيب } أي انتظروا العذاب أن ينزل بكم فأنا أنتظره { وأخذت الذين ظلموا الصيحة }، قيل: العذاب، وقيل: صوت خلقه الله تعالى فأهلكوا به، وقوله: { فأصبحوا في ديارهم جاثمين }، قيل: ساقطين على وجوههم، وقيل: خامدين موتا هلكاً { كأن لم يغنوا فيها } أي كأن لم يقيموا ولم يسكنوا { ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود } أي أبعدهم الله من رحمته ونجاته، وقيل: لعنوا كما لعنت ثمود.