التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٦
وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٥٧
وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ
٥٨
وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ
٥٩
فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ
٦٠
قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ
٦١
وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٦٢
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
٦٣
قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
٦٤
وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ
٦٥
قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٦٦
وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
٦٧
-يوسف

تفسير الأعقم

قوله تعالى: { وكذلك مكنا ليوسف } ثم بيَّن تعالى أنه لما تمكن يوسف بمصر وأضار الناس الجوع وقصدوا مصر فنزل بآل يعقوب ما نزل بالناس، فأرسل يعقوب بنيه إلى مصر وهم عشرة لأنه أمسك عنده بنيامين { فعرفهم وهم له منكرون }، قيل: أنكروه لطول ما يعهد لأن ما بين الوقت الذي فارقوه وبين وقت دخولهم عليه أربعين سنة، وقيل: إنه تزيّا زينة الملك جالساً على السرير وفي عنقه طوق من ذهب، وقيل: كان بينه وبينهم ستراً { ولما جهزهم بجهازهم } أي أصلحهم بعدتهم وهي عدة السفر من الزاد وما يحتاج إليه المسافرون { قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم } لا بد من مقدمة، روي أنه لما رآهم وكلمهم قال لهم: أخبروني من أنتم وما شأنكم؟ قالوا: نحن قوم من أهل الشام، أصابنا الجهد فجئنا نمتار، قال: لعلكم عيونا تنظرون عورات بلادي، قالوا: معاذ الله نحن أخوة بنو أب واحد وهو شيخ صدِّيق نبي من الأنبياء اسمه يعقوب، قال: كم أنتم. قالوا: كنا اثني عشر فهلك منا واحد، قال: فمن يشهد لكم أنكم لستم بعيون وأن الذي تقولون حق؟ قالوا: ما نعرف أحداً، قال: فدعوا بعضكم عندي رهينة وأتوني باخيكم من أبيكم وهو يحمل رسالة من أبيكم حتى أصدقكم، فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأياً في يوسف، فخلفوه عنده، وكان قد أحسن إنزالهم وضيافتهم، وقوله: { فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون } يعني داري ولا بلادي { قالوا سنراود عنه } الآية { وقال يوسف لفتيانه اجعلوا } أي عبيده وغلمانه اجعلوا { بضاعتهم } أي ثمن طعامهم وما كانوا جاؤوا به. { في رحالهم } وفي أوعيتهم { لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون } وروي أنها كانت بضاعتهم النعال والأدم، قيل: لم يرض الكريم أن يأخذ من أبيه وأخوته ثمناً، وقيل: علم أن ديانتهم تحملهم على رد البضاعة فيرجعوا لأجلها، وقيل: معناه لعلهم يرجعون لعلهم يردونها { فلما رجعوا إلى أبيهم } وفيه إضمار تقديره لما رجعوا من مصر إلى يعقوب { قالوا يا أبانا منع منا الكيل } يعني لما رجعوا إلى يعقوب، قالوا: قدمنا على خير رجل أكرمنا كرامة لو كان من ذلك يعقوب ما أكرمنا مثله، ثم قال: أين شمعون؟ قالوا: ارتهنه ملك مصر، وأخبروه بالقصة فقال: ولم أخبرتموه؟ قالوا: قال: إنكم جواسيس، وقصّوا القصة، وقالوا: يا أبانا منع منا الكيل إن لم نأت بأخينا لقوله: { فلا كيل لكم عندي ولا تقربون } { فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون } { قال هل آمنكم عليه } الآية يعني حفظ الله بنيامين خير من حفظكم { ولما فتحوا متاعهم } يعني ما حملوه من مصر، وقيل: أوعية الطعام { وجدوا بضاعتهم ردت اليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا } يعني أي شيء نطلب وراء هذا أوفى لنا الكيل وردّ علينا الثمن وأرادوا أن تطيب نفس يعقوب فيبعث بابنه معهم، وقوله: { ونمير أهلنا } أي نطلب الميرة { ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير } أي نزداد مع أحمالنا حمل بعير لأجله { ذلك كيل يسير } اي ذلك مكيل قليل لا يكفينا، يعني ما يكال لهم فأرادوا أن يزدادوا إليه ما يكال لأخيهم، وقيل: ذلك كيل يسير أي ذلك الكيل شيء يسير عند الملك، سهل عليه لا يتعاظمه، وقيل: هو من كلام يعقوب وإن حمل بعير واحد شيء يسير لا يخاطر لمثله بالولد، ولما رأى يعقوب (عليه السلام) ردّ البضاعة وتحقق إكرام الملك لهم عزم على إرسال ابنه معهم { قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً من الله } أي تعطون ما أثق به من يمين أو غيرها من الله، أي بإشهاد الله تعالى والقسم بالله وعهده، وقيل: تحلفون لي بخاتم النبيين وسيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { لتأتنّني به إلاَّ أن يحاط بكم } أي إلاّ أن تهلكوا جميعاً { فلما آتوه موثقهم } أعطوه عهدهم ويمينهم { قال الله على ما نقول وكيل } أي شاهد وحافظ بالوفاء وكيل كفيل، وقيل: لما قال يعقوب { فالله خير حافظاً } { والله على ما نقول وكيل } قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لأردّن عليك كلاهما بعد ما توكلت علي { وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة } ولما عزم يعقوب (عليه السلام) على إرسال ابنه معهم أوصاهم كيف يدخلون مصر، فقال سبحانه حاكياً عنه: { يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة }، قيل: خاف عليهم العين لأنهم كانوا ذا جمال وهيئة وكمال وهم أخوة ولد رجل واحد، وقيل: خاف عليهم حسد الناس وأن يبلغ الملك قوتهم وبطشهم، فيحبسهم عنده أو يقتلهم خوفاً على ملكه { وما أغني عنكم من الله من شيء } يعني ان ما يريد الله بكم لا ينفع فيه الاحتياط، ومنه قيل: إذا جاء القدر لم ينفع الحذر { إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون } أي فوضت أمري إليه وكذلك يفعل من توكل عليه.