التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ
٢٣
ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢٤
فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٢٥
قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٦
تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٢٧
-آل عمران

تفسير الأعقم

{ ألم تر الى الذين أُوتُوا نصيباً من الكتاب } الآية نزلت في اليهود، "وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل مدراسهم فدعاهم، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت؟ قال: على ملَّة إبراهيم. قالا: إن إبراهيم كان يهودياً، قال لهما: إن بيني وبينكما التوراة، فأبيا" ، وقيل: نزلت في الرجم. "روي عن ابن عباس أن رجلاً وامرأة زنيا وكانا ذا شرف وكان في كتابهم الرجم فكرهوا رجمهما لشرفهما، فرجعوا في أمرَهما إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورجوا أن تكون عنده رخصة فأمر بالرجم، فقالوا: ليس عليهما الرجم، فقال: بيني وبينكم التوراة فمن أعلمكم بالتوراة؟ فقالوا: عبد الله بن صوريا فأتوا به ودعوا بالتوراة، فلما أتى على آية الرجم وضع يده عليها، فقال عبد الله بن سلام: يا رسول الله قد جاوز موضعها فرفع يده فوجدوا آية الرجم، فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهما فرجما، فغضب اليهود غضباً شديداً" { ما كانُوا يفترون } في قولهم قالوا: إن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، قوله تعالى: { فكيف إذا جمعناهم } كيف يكون حالهم { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء } تعطي من تشاء النصيب الذي قسمته له واقتضته حكمتك، وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حين فتح مكة وعد أُمَّته ملك فارس والروم، فقال اليهود والمنافقون: من أين لمحمد ملك فارس والروم؟ فنزلت الآية، وقيل: "نزلت يوم الخندق فظهر حجر عظيم وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضربها ثلاث ضربات وكسرها بمعول وكان يبرق منها بكل ضربة برق عظيم، فكبّر تكبيرة الفتح، فسُئِلَ عن ذلك، فقال: أخبرني جبريل أن أُمتي ستظهر على ملك فارس والروم فاستبشر المسلمون، فقال المنافقون: إنه يعدكم الباطل إنما نحفر الخندق من الفرق" فنزلت الآية، قال جارالله: "وروي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما خط الخندق عام الأحزاب وقطع لكل عشرة أربعين ذراعاً وأخذوا يحفرون خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم لم تعمل فيها المعاول، فخرج سلمان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبره فأخذ المعول من سلمان فضربها ضربة صدَّعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها لكأنَّ مصباحاً في جوف بيت مظلمٍ، وكبّر وكبّر المسلمون وقال: أضاء لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها البقور، الخمر من الروم ثم ضرب الثالثة وقال: أضاءت لي منها قصور صنعاء وأخبرني جبريل أن أُمّتِّي ظاهرة علي كلها فابشروا فقال المنافقون: ألا تعجبون يمنيكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة، وأنها تفتح لكم مدائن كسرى، وأنكم إنما تحفرون الخندق من الفرق، ولا تستطيعون أن تبرروا" ، فنزلت الآية: { وتعز من تشاء } قيل: بعز القناعة، وقيل: بعز الطاعة { بيدك الخير } تؤتيه أولياءك على رغم أعدائك خير الدنيا والآخرة { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } وذلك بقدرته الباهرة، بذكر حال الليل والنهار بالمعاقبة بينهما وحال الحي والميت في إخراج أحدهما من الآخر، وهو أن يخرج المؤمن من الكافر وعكسه، وفي بعض ما رواه في الكشاف أن الله ملك الملوك قال: "قلوب الملوك ونواصيهم بيدَي فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة وإن العباد عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إليَّ أعطفهم عليكم"، وهو معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "كما تكونوا يولى عليكم" .