التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
٩
وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ
١٠
إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ
١١
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ
١٢
وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ
١٣
إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ
١٤
-يس

تفسير الأعقم

{ وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً }، قيل: سداً عن الحق، عن قتادة ومجاهد أي على جهة الذم حكمنا على أنهم بغير حق وبينهم وبين الحق سدَّاً، وقيل: أراد التشبيه أي كان بين أيديهم سداً يمنعهم من الايمان، وقيل: بل هو على حقيقته في القيامة وهو عبارة عن ضيق المكان في النار لا يجدون متقدماً ولا متأخراً { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } في النار، وقيل: معناه أنهم وإن انصرفوا عن الإِيمان والقرآن لزمهم ذلك حتى لا يتخلصون عنه { وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } أي لا ينفع الانذار بهم { إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب }، قيل: في حال غيبتهم عن الناس، وقيل: ما غاب عنه في أمر الآخرة { فبشِّره } يعني هؤلاء { بمغفرة } من الله { وأجر كريم } أي ثواب خالص { إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا } من الأعمال { وآثارهم } مالهم، وقيل: أعمالهم التي صارت سنَّة بعد حسنا كان أو قبيحاً أو ما خلفوه من الأموال { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } أي كتاب مبين وهو اللوح المحفوظ { واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية } يعني خبر القرية التي أهلكها الله تعالى بتكذيب الرسل، والقرية انطاكية { إذ جاءها المرسلون }، قيل: رسل عيسى، وقيل: هم رسل الله بعثهم إلى القرية، قال الحاكم: وهو الوجه، والذي قال جار الله: أنهم رسل عيسى وقد ذكره أيضاً في الحاكم إلى أهلها بعثهم دعاة إلى الحق وكانوا عبدة أوثان أرسل { اليهم اثنين }، فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب يس، فسألهما فأخبراه، فقال: معكما آية؟ فقالا: نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص، وكان له ولد مريض سنين فمسحا عليه فقام، فآمن حبيب وفشا الخبر فشفي على أيديهما خلق كثير، ورقى حديثهما إلى الملك فقال لهما الملك: ألكما إله سوى آلهتنا؟ قالا: نعم من أوجدك وآلهتك، فقال: حتى انظر في أمركما وتبعهما الناس فضربوهما، وقتل حبيباً فبعث عيسى شمعون فدخل متنكراً وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا خبره إلى الملك وأنس به، وقال له ذات يوم: بلغني أنك حبست رجلين هل سمعت ما قالا؟ قال: لا حال بيني وبينهما الغضب، فدعاهما وقال شمعون: من أرسلكما؟ قالا: الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك، فقال: صفاه وأوجزا، فقالا: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فقال: وما آيتكما؟ قالا: ما تمنى الملك، فدعا بغلام مطموس العينين فدعوا الله حتى انشق له بصر وأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فكانتا مقلتين يُبصِر بهما، فقال له شمعون: أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف؟ فقال: ليس لي عنك سرٌّ ان آلهتنا لا تبصر ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع، وكان شمعون يدخل معهم إلى الصنم فيصلي ويتضرع ويحسبونه منهم، ثم قال: ان قدر إلهكما على إحياء ميّتاً آمنا به فدعوا بغلام مات من سبعة أيام فقام وقال: إني دخلت في سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا، وقال: فتحت أبواب السماء فرأيت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة، قال الملك: فعرفتهم قال شمعون: وهذان، فتعجب الملك، فلما رأى شمعون أن كلامه قد أثر فيه نصحه وآمن وآمن قوم بإيمانه، ومن لم يؤمن صاح بهم جبريل فهلكوا، وقوله تعالى: { فعززنا } قوّينا { بثالث } وهو شمعون { فقالوا إنا إليكم مرسلون } يعني الرسل.