التفاسير

< >
عرض

يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
٥٧
وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ
٥٨
قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ
٥٩
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ
٦٠
وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ
٦١
وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٦٢
لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
٦٣
وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ
٦٤
-المائدة

تفسير الأعقم

قوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً } الآية نزلت في رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث وكانا أظهرا الإِسلام منافقين ثم ارتدا وكان رجال من المسلمين يوادّونهما وفيهما نزل قوله تعالى: { وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به } { واتقوا الله } في موالاة الكفار { إن كنتم مؤمنين } حقا، قوله تعالى: { وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً } قال جار الله: الضمير للصلاة والمناداة، قيل: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المؤذن يقول: أشهد ان محمداً رسول الله قال: حرق الكاذب، فدخلت خادمته بنار ذات ليلة وهو نائم فتطايرت منها شرارة في البيت فاحترق البيت واحترق هو وأهله، فنزلت الآية، وقيل: فيه دليل على وجوب الآذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده، وقيل: كانت اليهود إذا أذن المسلمون يقولون: قاموا لا قاموا، صلوا لا صلوا، على طريق الاستهزاء، فنزلت الآية { ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } لأن لعبهم وهزوهم من أفعال السفهاء والجهلة فكأنه لا عقل لهم، وروي أن اليهود والنصارى كانوا إذا سمعوا المؤذن يتضاحكون بينهم، قال الحاكم: ذلك بأنهم قوم لا يعقلون، يعني هؤلاء الكفار لا يعقلون أي لا يعلمون ما لهم في استهزائهم، قيل: لا يعلمون فضل الصلاة وما على تاركها من العقاب، قوله تعالى: { قل } يا محمد { يا أهل الكتاب } وهم اليهود والنصارى { هل تنقمون منا } أي تنكرون، وقيل: تعيبون وتهزؤون { إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا } وهو القرآن { وما أنزل من قبل } على الأنبياء { وان أكثركم فاسقون } خارجون عن الدين، "وروي أنه أتى الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفر من اليهود فسألوه عن من يؤمن به من الرسل فقال: أؤمن بالله وما أنزل إلينا إلى قوله ونحن له مسلمون فقالوا حين سمعوا ذكر عيسى: ما نعلم أهل دين أقل حظاً من الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً أشر من دينكم" فنزلت: { قل } يا محمد { هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله }، الآية نزلت في اليهود وذلك أنهم قالوا: ما نعلم أمة جاءها رسول أضيق عيشاً ولا أشقى من أمة محمد، فنزلت: { بشرٍ من ذلك } بشر خرا مما تنقمون منا، وقيل: معناه ان كان ذلك عندكم شراً فأنا أخبركم بشر منه عاقبة { مثوبة } جزاء { عند الله } قال جار الله: فإن قلت: المثوبة مختصة بالإِحسان كيف جاز في الإِساءة؟ قلت: وضعت المثوبة موضع العقوبة على طريقة قوله: تحية بينهم ضرر وجيع، ومنه قوله: { فبشرهم بعذاب أليم } قوله تعالى: { من لعنه الله } أبعده من رحمته { وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير } حين مسخوا { وعبد الطاغوت } منهم وبينهم بمعنى صار معبوداً من دون الله { وقرئ } برفع العين، وروي أنها لما نزلت كان المسلمون يعيرون الممسوخون { شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل } كان أهل السبت وأهل مائدة عيسى (عليه السلام) مسخوا قردة وخنازير، قوله تعالى: { وإذا جاؤوكم قالوا آمنَّا وقد دخلوا بالكفر } الآية نزلت في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيظهرون له الايمان فأخبره الله تعالى بشأنهم وأنهم يخرجون من عنده (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل ما دخلوا أي دخلوا كافرين وخرجوا كافرين، وقيل: نزلت في المنافقين، قوله تعالى: { وترى كثيراً منهم } يعني من اليهود { يسارعون في الاثم } الكذب والعدوان الظلم، وقيل: الاثم الشرك، وهو قولهم عزير ابن الله والمسارعة في الشيء الشروع فيه بسرعة { وأكلهم السُّحت } هو الحرام، وقيل: الرشوة، قوله تعالى: { لولا ينهاهم الرَّبَّانيون والأحبار } قيل: العلماء، وقيل: الربانيون علماء النصارى، والأحبار علماء اليهود { عن قولهم الاثم } الآية عن ابن عباس والضحاك أنها أشد آية في القرآن، وعن الضحاك ما في القرآن آية هي أخوف عندي منها وهذه أشد آية على تاركي النهي عن المنكر حيث أنزله منزلة من يكسبه وجمع بينهم في التوبيخ، روي في تفسير الثعلبي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "ما من رجل يجاور قوماً يعمل بالمعاصي فلا يأخذون على يديه إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب" وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "مثل الفاسق في القوم مثل قوم ركبوا سفينة فاقتسموها فصار لكل واحد منهم نصيب فأخذ رجل منهم فأساً فجعل ينقر في موضعه، فقال له أصحابه: أي شيء تصنع تريد أن تغرق وتغرقنا؟ قال: هو مكاني، فإن أخذوا على يديه نجوا ونجى وإن تركوه غرق وغرقوا" قال مالك بن دينار: أوحى الله تعالى إلى الملائكة أن عذبوا قرية كذا فصاحت الملائكة إلى ربها: يا رب إنها فيها عبدك العابد!! قال: اسمعوني ضجيجه فإنَّ وجهه لم يتغير غضباً لمحارمي، وأوحى الله تعالى إلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم وثمانين ألفاً من أشرارهم، فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ قال: لأنهم لم يغضبوا لغضبي، وآكلوهم وشاربوهم، قوله تعالى: { وقالت اليهود يد الله مغلولة }قال جار الله: على اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود، ومنه قوله: { { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } [الإسراء: 29] وقيل: إنما قال ذلك فنحاص اليهودي ولم ينهه الآخرون ورضوا به فأشركهم الله تعالى فيها، قال جار الله: فإن قلت: كيف جاز أن يدعو الله عليهم بما هو قبيح وهو البخل والنكد؟ قلت: المراد به الدعاء بالخذلان الذي تقسو به قلوبهم { غلت أيديهم } أي أمسكت أيديهم عن الخيرات { ولعنوا بما قالوا } أي وعذبوا بما قالوا { بل يداه مبسوطتان } قيل: قوته، وقيل: قدرته كقوله أولي الأيدي والأبصار، وقيل: هو ملكه، وقيل: أراد نعمتاه مبسوطتان نعمته في الدنيا، ونعمته في الآخرة { ينفق كيف يشاء } تأكيداً للوصف بالسخاء ودلالة على أنه لا ينفق إلا على مقتضى الحكمة والمصلحة { وليزيدنَّ } أي يزدادون عند نزول القرآن لحسدهم { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء } يعني اليهود والنصارى، قوله تعالى: { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله } كلما أرادوا محاربة أحد غُلِبُوا وقُهِرُوا ولم يقم لهم نصر من الله تعالى على أحد قط، وقيل: خالفوا حكم التوراة فبعث الله عليهم بخت نصَّر، وروي عن قتادة لا تلقى اليهود في بلد إلا وجدتهم من أذل الناس { ويسعون في الأرض فساداً } يعني ويجتهدون في الكيد للاسلام ومحوا ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتبهم.