التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
٤٧
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٤٨
إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٤٩
وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ
٥٠
ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ
٥١
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٥٢
ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٥٣
-الأنفال

تفسير الأعقم

{ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً } وهم أهل مكة حين نفروا لحماية العير، وأتاهم رسول أبو سفيان بالجحفة أن ارجعوا فقد سلمت عيركم، فأتى أبو جهل وقال: حتى نقدم بدر ونشرب فيها الخمور، وننحر الجزور، ونطعم الطعام من حضرنا من العرب، وتعزف علينا القينات، فذلك بطرهم { ورئاء الناس } وكان بدر موسماً من مواسم العرب يجتمع اليه لهم به سوق كل عام، فيقيموا ثلاثة أيام فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمور، وناحت عليهم النوائح مكان القينات { ويصدون عن سبيل الله } عطف على قوله: بطراً { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم } التي فعلوها في معاداة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { وقال لا غالب لكم اليوم من الناس }، قيل: زين لهم بذلك بوسوسته، وقيل: ظهر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الشاعر الكناني وكان من أشراف كنانة وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني مجيركم من بني كنانة، قال في الثعلبي: وذلك أن قريشاً لما اجتمعت للمسير ذكرت الذي بينها وبين كنانة فجاء ابليس في جند من الشياطين معه راية في صورة سراقة { فلما تراءت الفئتان } التقى الجمعان ورأى إبليس الملائكة ينزلون من السماء وعلم أنه لا طاقة لهم به { نكص على عقبيه } يعني ولى مدبراً، وقيل: كانت يده في يد الحرث بن هشام، فلما نكص قال له الحرث: إلى أين أتخذلنا في هذه الحال؟ فقال: { اني أرى ما لا ترون } ودفع في صدر الحرث وانطلق وانهزموا، فلما بلغوا مكة قالوا: هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم، فقالوا: هو الشيطان، فقال الشيطان: { إني أخاف الله } فقال له الحرث: هلا كان هذا أمس { والله شديد العقاب }، قال بعضهم: هذه حكاية عن ابليس، وقال آخرون: انقضى الكلام عند قوله إني أخاف الله، ثم قال الله: { والله شديد العقاب } { والذين في قلوبهم } مرض يعني شك ونفاق غرّ هؤلاء دينهم الآية، نزلت في الذين نافقوا في المدينة، وقيل: في قوم من قريش، وقيل: هم قوم كانوا بمكة مستضعفين فلما خرجت قريش إلى بدر أخرجوهم كرهاً، فلما نظروا إلى قلَّة المسلمين ارتدوا وقالوا: { غرّ هؤلاء دينهم } ثم قال جواباً لهم: { ومن يتوكل على الله } أي يفوض أمره إلى الله تعالى { فإن الله عزيز حكيم ولو ترى } تعاين يا محمد { إذ يتوفى } الملائكة يعني يقبضون أرواحهم عند الموت، قيل: بيوم بدر، وقيل: هم هؤلاء المنافقون الذين قالوا { غر هؤلاء دينهم }، وقيل: جميع الكفار { يضربون وجوههم } ما أقبل منهم { وأدبارهم } ما أدبر وتقديره ويضربون وجوههم بالسيوف، وإذا ولّوا أدركتهم الملائكة فيضربون أدبارهم { وذوقوا } فيه إضمار ومعناه وتقول الملائكة ذوقوا { عذاب الحريق } { ذلك بما قدمت أيديكم } كسبت وعملت { وأنَّ الله ليس بظلاَّم للعبيد } لا يأخذهم من غير جرم { كدأب آل فرعون } الآية نزلت في أهل مكة لما أخرجوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قتلوا يوم بدر، كدأب آل فرعون أي كعادة آل فرعون أي قومه وأتباعه، وقيل: كعادة الله تعالى في آل فرعون وسائر الكفار أن يهلكهم الله تعالى إذ كذبوا، قوله: { فأخذهم الله بذنوبهم } أي فعاقبهم { ذلك } يعني ما فعلناه بالمشركين من العقوبة إنما فعلناه لكفرهم ولاء غيروا ما أنعم الله عليهم { بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم }، وقيل: أراد به هل مكة بعث الله إليهم محمداً فغيروا نعمة الله وتغييرها كفرها وترك شكرها.