التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ
٣١
-الرعد

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَلَوْ أَنَّ قُرْءَاناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَى }.
وذلك أن رهطاً من قريش قالوا: يا محمد، إن كنت كما تزعم فسيِّر لنا هذه الجبال من مكة، فإنها ضيّقة. قال لا أطيق ذلك. قالوا: فسخّر لنا الريح لنركبها إلى الشام فنقضي عليها مَيْرنا وحاجتنا حتى نرجع من يومنا إن كنت رسول الله، فإنها قد سخّرت لسليمان بن داود، ولست بأهون على الله من سليمان بن داود. قال: لا أستطيع. قالوا فابعث لنا بعض من قد مات منا فنسألهم أحق ما تقول أم باطل، فإن عيسى قد كان يحيي الموتى ـ كما زعمت ـ لقومه، ولست بأهون على الله منه إن كنت رسوله. قال: لا أستطيع ذلك، فأنزل الله: { وَلَوْ أَنَّ قُرْءَاناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَى } يقول لو أنا فعلنا ذلك بقرآن غير قرآنك فعلنا بالقرآن الذي أنزلناه إليك.
وقال الحسن: قالوا إن أرضنا أرض ضَيِّقة، فادع لنا ربك بقرآنك هذا حتى تسير عنا جبال تهامة حتى نزرع فيها، وتفجر لنا أنهاراً وعيوناً فإنا أصحاب آبار، وأَحْيِ لنا أمواتنا حتى يشهدوا أنك رسول الله فنؤمن بك. وهو قوله:
{ وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ... } إلى آخر الآيات. [الإِسراء:90-93] فقال الله: لو أن بلاغة قرآن بلغت عند الله ما يسيِّر به الجبال أو يفجّر به الأنهار أو يحيي الموتى لبلغت بلاغة هذا القرآن بمنزلته وكرامته عند الله.
قال الله: { بَل لِّلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً }.
وقال مجاهد: سألت قريش النبي عليه السلام أن يفسح لهم جبال مكة، ويقطع لهم الأرض بينهم وبين الشام، ويحيي لهم موتاهم، فقال الله لمحمد: لو فعلنا هذا بنبي قبلك فعلناه بك.
وذكر بعضهم قال: ذكر لنا أن قريشاً قالت لنبي الله: إن سرك أن نتبعك فسيّر لنا جبال تهامة، وزد لنا في حرمنا حتى نتخذ قطائع نحترث فيها، وأحي لنا فلاناً وفلاناً، لأناس ماتوا في الجاهلية، فأنزل الله هذه الآية. يقول: لو فعلنا هذا بقرآن غير قرآنكم فعلناه بقرآنكم.
قوله: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً }. وهو على الاستفهام، أي: قد تبيَّن للذين آمنوا. وقال في آية أخرى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لأَمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَميعاً }.
وقال بعضهم: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ ءَامَنُوا } يقول: ألم يعرف الذين آمنوا ويتبيّن لهم { أَن لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً }.
قوله: { وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ } وهي السرايا، سرايا رسول الله عليه السلام، يصيبهم الله منها بعذاب، يعني المشركين. { أَوْ تَحُلُّ } أنت يا محمد { قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ } [يعني فتح مكة في تفسير مجاهد وقتادة { إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ المِيعَادَ }.