التفاسير

< >
عرض

سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ
١
-الإسراء

تفسير كتاب الله العزيز

تفسير سورة بني إسرائيل
وهي مكية كلها.
{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قوله: { سُبْحَانَ } يعني نفسه وينزّهُها { الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم { لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى } يعني بيت المقدس. { الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا } يعني ما أراه الله ليلة أُسْرِيَ به.
ذكروا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:
"بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلاً يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين. فأُتِيتُ، فَانْطُلِقَ بِي. فأُتِيت بطست من ذهب، فيها من ماء زمزم، فشُرِح صدري إلى مكان كذا وكذا. [قال قتادة: فقلت للذي معي: ما يعني] قال: يعني إلى أسفل بطني. فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم، ثم كنز أو قال حشي إيماناً وحكمة، ثم أعيد مكانه.
ثم أُتيت بدابة أبيض يقال له البراق، فوق الحمار ودون البغل، يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحُملت عليه.
ثم انطلقا حتى أتينا السماء الدنيا. فاستفتح جبريل؛ فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد عليه السلام. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. ففتِح لنا، فقالوا: مرحباً به، ولنعم المجيء جاء. قال: فأتيت على آدم، فقلت لجبريل: من هذا؟ قال أبوك آدم. فسلّمت عليه فقال: مرحباً بالابن الصالح والنبيّ الصالح. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الثانية، فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل؛ قيل: ومن معك؟ قال: محمد عليه السلام. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. ففتح لنا، وقالوا: مرحباً به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على يحيى وعيسى، فقلت: يا جبريل، من هذان؟ قال: هذان يحيى وعيسى، وأحسب أنه قال: ابنا الخالة. فسلّمت عليهما فقالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الثالثة، فكان نحو هذا من كلام جبريل وكلامهم. فأتيت على يوسف، فقلت: يا جبريل: من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف، فسلّمت عليه، فقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الرابعة. فأتينا على إدريس فقلت: من هذا يا جبريل، فقال: هذا أخوك إدريس، فسلّمت عليه، فقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح"
.وعندها قال:[قتادة] قال الله: { { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِياً } [مريم:57] "فانطلقنا حتى أتينا السماء الخامسة، فأتينا على هارون، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك هارون. فسلّمت عليه، فقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السادسة، فأتيت على موسى فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى، فسلّمت عليه فقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. فلما جاوزته بكى؛ فقيل له: وما يبكيك؟ قال: رَبِّ، هذا غلام بعثته بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السابعة فأتينا على إبراهيم، فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك إبراهيم. فسلّمت عليه فقال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم رفع لنا البيت المعمور بحيال الكعبة فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لا يعودون فيه أخر ما عليهم. ثم رفعت لنا سدرة المنتهى؛ فحدّثَ نبيُّ الله أن ورقها مثل آذان الفِيَلة، وأن نبقها مثل قلال هجر.
وحدّث نبيّ الله أنه رأى أربعة أنهار يخرجن من تحتها: نهران باطنان ونهران ظاهران. فقلت يا جبريل ما هذه الأنهار؟ فقال: أما النهران الباطنان فنهران بالجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات. وأُتِيت بإناءين أحدهما لبن والآخر خمر، فعُرِضا عليّ فأخذت اللبن؛ فقيل لي: أصبت، أصاب الله بك أمتك على الفطرة. وفُرِضَت عليّ خمسون صلاة، أو قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم. فجئت بهن، حتى أتيت على موسى فقال لي: بِم أُمرت؟ فقلت: بخمسين صلاة كل يوم. فقال: إن أمتك لا يطيقون ذلك؛ إني قد بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، ارجع إلى ربك وسله التخفيف لأمتك. فما زلت أسأل ربي ويقول لي موسى مثل مقالته هذه حتى رجعت بخمس صلوات كل يوم. فلما أتيت عليه قال لي: بم أمرت. قال: فقلت بخمس صلوات كل يوم. فقال: إن أمتك لا يطيقون ذلك. إني قد بلوت الناس من قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، راجع ربّك واسأله التخفيف لأمتك. فقلت: لقد راجعت ربي حتى لقد استحييت، ولكني أرضى وأسلِّم. قال: فنوديت، أو نادى منادٍ: إني قد أمضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي وجعلت الحسنة بعشر أمثالها"
. فانتهى هذا الحديث إلى ها هنا.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أُتِي بالبراق ليركبه استصعب، فقال له جبريل: اسكن، فوالذي نفس محمد بيده ما ركبك مخلوق أكرم على الله منه. قال: فارفضّ عرقاً وقرّ.
وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"مررت ليلة أسري بي على رجال تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون الناس بالخير والبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون"
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أنا في الجنة إذ أنا بنهر حافاته قباب اللؤلؤ المجوّف، فضربت بيدي إلى مجرى الماء فإذا مسك أذفر. فقلت: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله"
وذكر بعض أصحاب النبي عن النبي عليه السلام هذا الحديث غير أنه أغزر منه وأطول، فيه ما ليس في الحديث الأول.
قال: بينما أنا في البيت إذ أتيت، فشق النحر، فاستخرج القلب، فغسل بماء زمزم، ثم أعيد مكانه. ثم أتيت بدابة أبيض يقال له البراق، فوق الحمار ودون البغل، مضطرب الأذنين، يقع خطوه عند منتهى طرفه. فحملت عليه فسار بي نحو بيت المقدس؛ فإذا منادٍ ينادي عن يمين الطريق: يا محمد، على رسلك أسألك، يا محمد على رسلك أسألك، يا محمد على رسلك أسألك. فمضيت ولم أعرج عليه. ثم إذا أنا بمنادٍ ينادي عن يسار الطريق: يا محمد، على رسلك أسألك، يا محمد على رسلك أسألك، يا محمد على رسلك أسألك، ولم أعرج عليه.
ثم إذا بامرأة على قارعة الطريق، أحسبه قال: حسناء جملاء، عليها من كل الحليّ والزينة، ناشرة شعرها، رافعة يديها تقول: يا محمد، على رسلك أسألك، يا محمد على رسلك أسألك، يا محمد على رسلك أسألك. فمضيت ولم أعرج عليها حتى انتهيت إلى بيت المقدس، فأوثقت الدابة بالحلقة التي يوثق بها الأنبياء. ثم دخلت المسجد فصلّيت فيه ركعتين ثم خرجت.
فأتاني جبريل بإناءين: إناء من لبن وإناء من خمر. فتناولت اللبن فقال: أصبت الفطرة.
ثم قال لي جبريل: يا محمد، ما رأيت في وجهتك هذه؟ قلت: سمعت منادياً ينادي عن يمين الطريق: يا محمد على رسلك أسألك، يا محمد على رسلك أسألك، يا محمد على رسلك أسألك. قال: فما صنعت؟ قلت: مضيت ولم أعرّج عليه. قال: ذلك داعية اليهود. أما إنك لو عرّجت عليه لتهوّدت أمتك. قلت: ثم ماذا؟ قلت: ثم إذا أنا بمنادٍ ينادي عن يسارِ الطريق: يا محمد على رسلك أسألك، يا محمد على رسلك أسألك، يا محمد على رسلك أسألك، قال: فما صنعت؟ قلت: مضيت ولم أعرج عليه. قال: ذلك داعية النصارى. أما إنك لو عرّجت عليه لتنصّرت أمتك. قلت: ثم إذا أنا بامرأة على قارعة الطريق، أحسبه قال: حسناء جملاء عليها من كل الحليّ والزينة، ناشرة شَعرَها، رافعة يديها، تقول: يا محمد على رِسلك أسألك، يا محمد على رِسلك أسألك، يا محمد على رِسلك أسألك. قال: فما صنعت؟ قلت: مضيت ولم أعرّج عليها. قال: تلك الدنيا؛ أما إنك لو عرجت عليها لمِلت إلى الدنيا.
ثم أتينا بالمعراج فإذا أحسن ما خلق الله، ألم تَرَ إلى الميّت حيث يشقّ بصره، فإنما يبعه المعراج عجباً به. ثم تلا هذه الآية:
{ تَعْرُجُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [المعارج:4] فقعدنا فيه، فعرج بنا حتى انتهينا إلى باب السماء الدنيا، وعليها ملك يقال له: إسماعيل، جنده سبعون ألف ملك، جند كل ملك سبعون ألف ملك، وتلا هذه الآية: { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [المدثر: 31] فاستفتح جبريل فقال: من هذا؟ قال جبريل؛ قيل: ومن معك؟ قال محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا مرحباً به، ولنعم المجيء جاء. ففتح لنا. فأتيت على آدم، فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك آدم. فرحّب بي ودعا لي بخير. قال: وإذا الأرواح تعرض عليه. فإذا مرّ به روح مؤمن، قال: روح طيّب ورائحة طيّبة، وإذا مرّ به روح كافر قال روح خبيث ورائحة خبيثة.
قال: ثم مضيت فإذا أنا بأخاوين عليها لحوم منتنة وأخاوين عليها لحوم طيبة وإذا رجال ينهسون اللحوم المنتنة ويدَعون اللحوم الطيّبة، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة يَدَعُون الحلال ويبتغون الحرام.
قال: ثم مضيت فإذا أنا برجال تُفَكَّ أَلْحِيهِم وآخرين يجيئون بالصخور من النار فيقذفونها في أفواههم فتخرج من أدبارهم. قال: قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً. ثم تلا هذه الآية:
{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [النساء:10].
قال: ثم مضيت فإذا أنا بقوم يقطع من لحومهم بدمائهم فيُضْفَزُونها ولهم جؤار؛ فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الهمّازون اللّمّازون، ثم تلا هذه الآية:
{ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } [الحجرات:12] قال: وإذا أنا بنسوة معلقات بثُدِيهن، وأحسبه قال: وإذا حيّات وعقارب ينهشنهن؛ فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الظؤورة اللاتي يقتلن أولادهن.
قال: ثم أتيت على سابلة آل فرعون حيث ينطلق بهم إلى النار يعرضون عليها غدواً وعشياً؛ فإذا رأوها قالوا ربنا لا تقومن الساعة لما يرون من عذاب الله، وإذا أنا برجال بطونهم كالبيوت يقومون فيقعون لظهورهم ولبطونهم فيأتي عليهم آل فرعون فيثردونهم بأرجلهم ثرداً. فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا. ثم تلا هذه الآية:
{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ } [البقرة:275].
ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحباً به، ولنعم المجيء جاء. ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة بحيى وعيسى. فرحبا بي، ودعوا لي بخير. ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحباً به ولنعم المجيء جاء. ففتح لنا فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أعطى نصف الحسن، قال: فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل. فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال نعم. قالوا: مرحباً به ولنعم المجيء جاء. ففتح لنا فإذا أنا بإدريس. فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحباً به ولنعم المجيء جاء. ففتح لنا. فإذا أنا بهارون. وإذا لحيته شطران: شطر أبيض وشطر أسود. فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا المحبب في قومه وأكثر من رأيت تبعاً. فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل. فقيل من؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل أوقد بعث إليه؟ قال نعم. قالوا: مرحباً به ولنعم المجيء جاء. ففتح لنا فإذا أنا بموسى، وإذا هو رجل أشعر، لو لبس قميصين لنفذهما الشعر. فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى. فرحب بي ودعا لي بخير. قال: فمضيت، ثم سمعت موسى يقول: يزعم بنو إسرائيل أني أكرم الخلق على الله، وهذا أكرم على الله مني. ولو كان النبي وحده لهان عليّ، ولكن النبي ومن تبعه من أمته. ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل، فقيل له: من هذا قال جبريل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحباً به ولنعم المجيء جاء. ففتح لنا. فأتيت على إبراهيم فإذا هو مستند إلى البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى أن تقوم الساعة. فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك إبراهيم. فسلمت عليه. فرحب بي ودعا لي بخير. فإذا أمتي عنده شطران: شطر عليهم ثياب بيض، وشطر عليهم ثياب رمد؛ فدخل أصحاب الثياب البيض واحتبس الآخرون. فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً. وكل إلى خير. ثم قيل لي: هذه منزلتك ومنزلة أمتك. ثم تلا هذه الآية:
{ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران:68].
قال: ثم انتهينا إلى سدرة المنتهى فإذا أحسن ما خلق الله، وإذا الورقة من ورقها لو غطّيت بها هذه الأمة لغطّتها. ثم انفجر من تحتها السلسبيل، ثم انفجر من السلسبيل نهران: نهر الرحمة ونهر الكوثر؛ فاغتسلت من الرحمة فغُفِر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر. ثم أعطيت الكوثر فسكلته حتى انفجر بي في الجنة، فإذا طيرها كالبخت، وإذا الرّمانة من رمانها كجلد البعير المقّتب. قال: ونظرت إلى جارية فقلت: لمن أنت يا جارية؟ فقالت: ليزيد بن حارثة. قال: فبشّرت بها زيداً. قال: ثمّ نظرت إلى النار، فإذا إِنَّ عذاب ربي لشديد، لا تقوم له الحجارة ولا الحديد. قال: ثم إني رُفِعت إلى سدرة المنتهى فغشّاها من أمر الله ما غشّى، ووقع على كل ورقة منها ملك، وأيّدها الله بأيده، وأوحى لي ما أوحى، وفرض عليّ في كل يوم وليلة خمسين صلاة. فرجعت إلى موسى فقال: ما فرض عليك ربك؟ فقلت: فرض عليّ في كل يوم وليلة خمسين صلاة. قال ارجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. قال: فرجعت إلى ربي، فقلت: أي ربّ حُطَّ عن أمتي، فإن أمتي لا تطيق ذلك. فحطّ عني خمساً. فرجعت إلى موسى عليه السلام فقال: ما فرض عليك ربك؟ قال: قلت: حطّ عني خمساً. فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك. قال: فرجعت إلى ربي فحطّ عني خمساً. قال: فلم أزل أختلف ما بين ربي وبين موسى حتى قال: يا محمد: لا تبديل، إنه لا يُبَدَّل القولُ لَدَيَّ؛ هي خمس صلوات في كل يوم وليلة، كل صلاة عشر، فتلك خمسوة صلاة. ومن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن عملها كتبت له عشراً. ومن همّ بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه، ومن عملها كتبت عليه سيئة واحدة. قال: فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف. فقلت: قد راجعته حتى لقد استحييت.
وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"مررت ليلة أسري بي على سرير وعليه ملك قائم بيده حربة. فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: إن نبياً أسري به قبلك فمر على هذا وهو قاعد، فظن أنه ربه، فأهوى له ساجداً، فأقامه الله منذ يومئذٍ ليعلم أنه عبد"
قوله: تعالى: { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا } أي: ما أراه الله من الآيات والعبر في طريق بيت المقدس. قال: { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } يعني نفسه، لا أسمع منه ولا أبصر.
قال الكلبي: لما أخبر النبي عليه السلام بذلك المشركين قال المشركون: تحدثنا أنك صليت الليلة في بيت المقدس ورجعت من ليلتك، وهو مسيرة شهر للذاهب وشهر للمقبل.
وقال بعضهم: رويدك يا محمد نسألك عن عيرنا، هل رأيتها في الطريق؟ قال: نعم. قالوا أين؟ قال: مررت على عير بني فلان بالروحاء، وقد أضلّوا ناقة، وهم في طلبها، فمررت على رحالهم وليس بها منهم أحد [فوجدت في إناء من آنيتهم ماء فشربته، فسلوهم إذا رجعوا هل وجدوا الماء في الإِناء]. قالوا هذه والله آية بينة. قال: فمررت على عير بني فلان فنفرت مني الإِبل ساعة كذا وكذا. ووصف جملاً منها؛ قال: كان عليه أجير بني فلان، عليه جُوالق أسود مخطط ببياض. قالوا: هذه والله آية وقد عرفنا الجُوالق. قال: ثم مررت على عير بني فلان بالتنعيم. قالوا فإن كنت صادقاً فإنها تقدم الآن. قال: أجل. قالوا: فأخبرنا بعدتها وأحمالها ومن فيها. قال: كنت مشغولاً عن ذلك. قال: فبينما هو يحدثهم إذ مثل له عدتها وأحمالها في الحَدور يقدمها جمل أورق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ها هي ذي منحدرة من ثنية كذا وكذا من طلوع الشمس، يقدمها جمل أورق، وعدتها كذا وكذا، وأحمالها كذا وكذا، وفيها فلان وفلان وفلان، وسمّي الرهط الذين فيها بأسمائهم لم يغادر منهم أحداً. فخرج رهط من قريش يسعون، قِبَل الثنية فإذا هم بها حين انحدرت من الثنية يقدمها جمل أورق كما قال. وفيها الرهط الذين سمّي مع طلوع الشمس؛ فرموه بالسحر، وقالوا: صدق الوليد بن المغيرة فيما قال: إنه ساحر.
وجاء أبو بكر فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، حدثني ما رأيت عن يمينك حين دخلت بيت المقدس، وما رأيت عن يسارك. فحدثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدّقه أبو بكر وقال: أشهد أنك صادق فيومئذٍ سمّي الصديق، فقال رسول الله:
"وأنت الصديق يا أبا بكر
"