التفاسير

< >
عرض

وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٥٨
وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً
٥٩
-الإسراء

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ } أي: تموت بغير عذاب { أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً } أي: يكون موتهم بالعذاب.
قال بعضهم: قضى الله إما أن يُهلكوا بموت أو بعذاب إذا تركوا أمرَه وكذبوا رسلَه، يعني إهلاك الأمم بتكذيبها الرسل.
{ كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُوراً } أي: مكتوباً. وقال في آية أخرى:
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ } [آل عمران:185].
قوله: { وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالأَيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } أي: إن القوم كانوا إذا سألوا نبيَّهم الآيةَ فجاءتهم الآية، لم يؤمنوا فيُهلكهم الله. وهو كقوله: { قَالُوا } يعني مشركي العرب للنبي: { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ } أي: موسى وعيسى والرسل التي جاءت قومها بالآيات. قال الله:{ مَا ءَامَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ } أي: من أهل قرية
{ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } [الأنبياء:5-6] أي: لا يؤمنون لو جاءتهم أية. وقد أخَّر الله عذاب كفار آخر هذه الأمة بالاستئصال إلى النفخة الأولى. قال: { وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالأَيَاتِ } إلى قومك يا محمد { إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } وكنا إذا أرسلنا إلى قوم بآية فلم يؤمنوا أهلكناهم، فلذلك لم نرسل لهم بالآيات، لأن آخر كفار هذه الأمة أُخِّروا إلى النفخة الأولى.
قال بعضهم: قال أهل مكة للنبي عليه السلام: إن كان ما تقول حقّاً، ويَسُرُّك أن نؤمن لك فحوِّل لنا الصفا ذهباً، فأتاه جبريل فقال: إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكن إن هم لم يؤمنوا لم يُنظَروا، وإن شئت استأنيتَ بقومك. قال:
"لا، بل أستأني بقومي" . فأنزل الله: [{ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالأَيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ }] وأنزل: { مَا ءَامَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ }.
قوله: { وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً } أي: بيّنة. [وقال مجاهد: آية] { فَظَلَمُوا بِهَا } أي: ظلموا أنفسهم بعقرها { وَمَا نُرْسِلُ بِالأَيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }. أي: يخوّفهم الله بالآيات فيخبرهم أنهم إذا لم يؤمنوا بعد مجيء الآية عذَّبهم.