التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ
٨
يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ
٩
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
١٠
-البقرة

تفسير كتاب الله العزيز

ثم ذكر الله صنفاً آخر من الناس، يعني المنافقين فقال: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } يقول: أقروا لله بألسنتهم وخالفت أعمالهم. وما هم بمؤمنين، أي: حتى يستكملوا دين الله ويوفوا بفرائضه كَـ { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } [سورة النجم:37] أي الذي أكمل الإِيمان وأكمل الفرائض.
قوله: { يُخَادِعُونَ اللهَ وَالذِينَ ءَامَنُوا } أي بما أعطوهم من الإِقرار والتصديق، وأعطوا الحقوق من الزكاة، يخادعون بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؛ فجعل الله مخادعتهم رسولَه والمؤمنين كمخادعة منهم لله. وهو كقوله:
{ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ } [الفتح:10]. والإِيمان بالنبي عليه السلام إيمان بالله، والكفر به هو كفر بالله، وكذلك مخادعة الله. قال: { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ } أي: إن ذلك يرجع عليهم عذابه وثواب كفره. وتفسير خدعة الله إياهم في سورة الحديد { وَمَا يَشْعُرُونَ } أي أن ذلك يصير عليهم.
ثم قال: { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } يعني بذلك النفاق. يقول: في قلوبهم نفاق، فنسب النفاق إلى القلب كما نسب الإِثم إليه، كقوله في الشهادة:
{ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } [سورة البقرة:283] قال: { فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً } أي الطبع على قلوبهم بكفرهم. { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني عذاباً موجعاً { بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } مخفّفة؛ أي: بقولهم: إنا مؤمنون وليسوا بمؤمنين إذ لم يستكملوا فرائض الله ولم يوفوا بها. فهذا تفسير من قرأها بالتخفيف. ومن قرأها بالتثقيل: { بِمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ } فهو يريد: بعض العمل أيضاً تكذيب؛ يقول: إن التكذيب تكذيبان: تكذيب بالقول وتكذيب بالعمل. ومثله في اللغة أن يقول القائل للرجل إذا حمل على صاحبه فلم يحقق في حملته: كَذَب الحملةَ، وإذا حقّق قالوا: صدق الحملة. فمن قرأها بالتخفيف فهو يريد الكذب على معنى ما فسّرناه أولاً. وأخت هذه الآية ونظيرتها التي في براءة: { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [سورة التوبة:77]. يقول: أعقبهم، بالخلف والكذب الذي كان منهم، نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه. ومن قرأها بالتثقيل فهو بالمعنى الآخر الذي وصفناه آخراً، ولا يعني به جحداً ولا إنكاراً، لأن مرض النفاق غير مرض الشرك، وكذلك كفر النفاق غير كفر الشرك.