التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ
١٩٧
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ
١٩٨
-البقرة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { الحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } ذكر جماعة من العلماء أنها شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ } أي فمن أَوجب فيهن الحجَّ.
ذكر بعضهم أن عكرمة لقى أبا الحكم البجلي فقال: أنت رجل سوء، يقول الله: { الحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ }، وَأَنْتَ تُهِل بالحج في غير أشهر الحج موجهاً إلى خراسان أو إلى كذا وكذا.
ذكروا عن جابر بن عبد الله أنه قال: لا يهل بالحج في غير أشهر الحج.
ذكر أنه ذكروا للحسن رجلاً يحرم من السنة إلى السنة، فقال: لو أدركه عمر بن الخطاب لأوجع له رأساً. وقال: في أي شهر أحرم فقد وجب عليه الإِحرام؛ وأحسن ذلك أن يكون في أشهر الحج.
قوله: { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ذكر عطاء عن ابن عباس أنه قال: الرفث: الجماع، والفسوق: المعاصي، والجدَال أن يُماري بعضهم بعضاً حتى يغضبوا.
قوله: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمُهُ اللهُ }، يعني التطوّع والفريضة. وهو كقوله:
{ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ } [آل عمران:115].
قوله: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }. قال بعض المفسرين: كان أناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزوّدون، فأمرهم الله بالزاد والنفقة في سبيله، وأخبرهم أن خير الزاد التقوى. وقال الحسن: يقول: إذا أراد أحدكم سفراً تزوّد لسفره خيراً.
قوله: { وَاتَّقُونِ يَا أُْولِي الأَلْبَابِ } يعني يا أولي العقول، وهم المؤمنون.
{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } ذكر عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه قال: سمعت عبد الله بن الزبير، وبلغه أن أناساً يأنفون من التجارة في الحج فقال: يقول الله: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } يعني به التجارة في مواسم الحج.
ذكروا عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً بالتجارة في الحج، في الفريضة وغيرها.
قوله: { فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ }. ذكر بعض المفسّرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفات بعد غروب الشمس.
ذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تدفعوا حتى يدفع الإِمام فإنها السنة" .
ذكر عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفاض من عرفات قال: "يا أيها الناس عليكم بالسكينة، لا يشغلنّكم رجل عن الله أكبر" .
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل عرفة موقف، وارتفعوا عن عرَنَة، وكل جمع موقف، وارتفعوا عن محسِّر" .
ذكروا أن عمر بن الخطاب أفاض من عرفات وبعيره يجتر، أي: إنه سار على هيئته.
ذكروا عن ابن عباس أنه قال: عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن عُرَنة.
ذكروا عن عطاء أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من وقف بعرفات قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج" .
ذكروا عن ابن عباس أنه قال: الحج عرفات، والعمرة الطواف.
قوله: { فَاذْكُرُوا اللهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ } قال بعض المفسّرين: هي ليلة المزدلفة، وهي جمع. وإنما سمي جمعاً لأنه يجمع فيه بين المغرب والعشاء.
ذكر أبو الطفيل أن ابن عباس قال: إن جبريل ذهب بإبراهيم إلى جمع فقال: هذا المشعر الحرام.
ذكروا عن عبد الله بن الزبير أنه قال: ألا لا صلاة إلا بجمع، ألا لا صلاة إلا بجمع، ألا لا صلاة إلا بجمع، يعني المغرب والعشاء. وذكروا عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: لا يصلي المغرب والعشاء ولو انتصف الليل إلا بجمع.
ذكروا عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن رسول الله لما صلى الصبح وقف بجمع، ثم أفاض.
ذكروا أن إبراهيم النبي عليه السلام بات بجمع، حتى إذا كان من الغد صلّى صلاة المعجلة، ثم وقف إلى صلاة المصبحة ثم أفاض. ذكروا عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلع الفجر صلى الصبح، ثم وقف.
وذكروا عن عبد الله بن الزبير أنه قال: رأيت أبا بكر الصديق واقفاً على قزح وهو يقول: يا أيها الناس اصبحوا.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من جمع قبل طلوع الشمس.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح ثم وقف عند المشعر الحرام فقال:
"قد وقفت هاهنا والمزدلفة كلها موقف" .ذكروا عن ابن عباس أنه كان يقول: ما بين الجبلين كله موقف.
قوله: { وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ } أي: في مناسككم وحجكم ودينكم كله.