التفاسير

< >
عرض

لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٥٦
ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٥٧
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٢٥٨
-البقرة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }. ذكروا عن سعيد بن جبير قال: كان قوم من أصحاب النبي عليه السلام استرضعوا لأولادهم من اليهود في الجاهلية، فكبروا على اليهودية؛ فلما جاء الإِسلام أسلم الآباء؛ فأرادوا أن يكرهوا أولادهم على الإِسلام، فأنزل الله: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }.
ذكروا عن بعضهم أنه قال: أكرِه على الدين ولم يُكره فيه. أكره عليه العرب، إن هذه الأمة كانت أمة أمية ليس لها كتاب تقرأه أتى من عند الله، فأكرهوا على الإِسلام. أما من كان على ملة من يهودي أو نصراني فأقر بالجزية قُبِلت منه ولم يُفتن عن دينه. قال: وما كان سوى أهل الكتاب من المشركين ـ ما خلا العرب ـ فأقر بالجزية قبلت منه ولم يقتل.
وقال مجاهد: كانت النضير أرضعت رجالاً من الأوس؛ فلما أمر الرسول بإجلائهم قالت أبناؤهم من الأوس: لنذهبن معهم ولندينن بدينهم، فمنعهم أهلوهم، وأكرهوهم على الإِسلام ففيهم نزلت: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ }. الرشد الهدى، والغي الضلالة.
قوله: { فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ } الطاغوت هو الشيطان { وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }. قال مجاهد: العروة الوثقى الإِيمان. وقال بعضهم: العروة الوثقى لا إله إلا الله. { لاَ انفِصَامَ لَهَا } أي لا انقطاع لها. وقال الحسن: لا انفصام لها دون أن تهجم بأهلها على الجنة.
قوله: { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا } [قال الحسن: ولي هداهم وتوفيقهم] { يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } أي يخرجهم من وحي الشيطان إلى وحي الله، ولم يكونوا في وحي الشيطان قط. { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ } أي من وحي الله إلى وحيهم، ولم يكونوا في وحي الله قط، وهو كقوله:
{ { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا } [يونس: 98]، كشف عنهم عذاباً لم ينزل بهم أي صرف عنهم. وقال بعضهم: { يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ }، أي من الضلالة إلى الهدى، لأنهم كانوا في ضلالة. قال: { أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي لا يموتون ولا يخرجون منها أبداً.
قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللهُ المُلْكَ } أي آتى المُلك الذي حاجّ إبراهيم في ربه، وهو نمروذ. ذكر بعض المفسّرين قال: ذكر لنا أنه نمروذ، وهو أول ملك تجبّر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل.
قوله: { إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ }. قال بعضهم: ذكر لنا أن نمروذ دعا برجلين فقتل أحدهما واستحيى الآخر فـ { قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ } أي أنا استحيي من شئت وأقتل من شئت.
{ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ }. قال: لا يهدي القوم المشركين الذين يلقون الله وهم مشركون [أي لا يهديهم إلى الحجة ولا يهديهم من الضلالة إلى دينه]، وقال بعضهم: لا يكونون مهتدين وهم ظالمون؛ وهو ظلم فوق ظلم وظلم دون ظلم. قال الحسن: هكذا حجة الله على ألسنة الأنبياء والمؤمنين.