التفاسير

< >
عرض

أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَٱحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
٢٦٦
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
٢٦٧
-البقرة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ } والإِعصار الريح الشديدة التي فيها النار { فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الأَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }.
يقول: هل منكم من يود ذلك؟ على وجه الاستفهام، أي: ليس منكم من يود ذلك، يقول: فاحذروا ألا تكون منزلتكم عند الله كذلك، أحوج ما تكونون إلى أعمالكم يحبطها ويبطلها، فلا تقدرون منها على شيء؛ فكما لا يسرّكم ذلك في حياتكم، فكذلك لا يسرّكم ذلك في الآخرة. وهذا مثل ضربه الله لكم لعلكم تتفكرون.
ذكروا أن الحسن قرأ هذه الآية فقرأ: مثلٌ واللهِ قلَّ من يعقله من الناس، حين كبرت سنه، وكثر عياله، وأحوج ما يكون إلى جنته. وإن أحدكم والله أحوج ما يكون إلى عمله إذا انقضت الدنيا ومضت لحال بالها.
وقال مجاهد: هذا مثل المفرّط في طاعة الله حتى يموت.
قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ }. قال الحسن: هذا في النفقة الواجبة؛ كانوا يتصدّقون بأردإ درهمهم، وأردإ فضتهم، وأردإ طعامهم، فنهاهم الله عن ذلك فقال: ولا تيمّموا [يعني ولا تقصدوا] الخبيث، وهو الرديء، منه تنفقون. أي: منه تزكون.
وقال مجاهد: { مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ }. أي من التجارة.
قال: { وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ } يقول: ولستم بآخذي هذا الرديء بثمن هذا الجيّد إلاَ أن يُهضَم لكم منه.
قال بعضهم: كان الرجل يكون له حائطان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعمد إلى أردئهما، فيتصدق به، ويخلطه بالحشف، فنهاهم الله عن ذلك. قال: { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه }؛ أي: ولستم بآخذي هذا الرديء بسعر هذا الطيب إلا أن يهضم لكم منه. قال الحسن: فكما لا يستوي عندكم هذا الجيّد والرديء فكذلك لا يستوي عند الله في الآخرة.
وقال الكلبي: ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه، قال: لو كان لبعضكم على بعض حق فأعطِيَ دون حقه لم يأخذه منه إلا أن يرى أنه قد تغامض له عن بعض حقه، وكذلك الله، إلا أن يتراحم عليكم، لا تستكملون به الأجر له، إلا أن يتغمّدكم الله برحمته.
وقال مجاهد: إلا أن تغمضوا فيه: إلا أن تأخذوه من غرمائكم بزيادة على الطيّب في الكيل.
قوله: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } أي غني عما عندكم لمن بخل بصدقته، حميد لمن احتسب بصدقته.