التفاسير

< >
عرض

وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣٣
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
٣٤
ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ
٣٥
-النور

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَلْيَسْتَعْفِفِ الذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ } أي: حتى يجدوا ما يتزوّجون به.
قوله: { وَالذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتَابَ مِمَّا مَلَكَت أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } أي: إن علمتم عندهم مالاً. وليس بفريضة إن شاء كاتبه وإن شاء لم يكاتبه.
وقال بعضهم: إن علمتم منهم صدقاً ووفاءً وأمانة. وقال ابن عباس: إن علمتم عندهم حرفة أو عملاً. ويكره أن يكاتبه وليست له حرفة ولا عمل إلا على مسألة الناس. فإن كان له حرفة أو عمل ثم تصدّق عليه من الفريضة أو التطوّع فلا بأس على سيّده، لأنه من ذوي فريضتها، قد وجبت له الزكاة، وصار حُرّاً قد استوجب سهماً من سهام الصدقة؛ فلا بأس أن يأخذ منه ما قد ملَّكه الله وأحلَّه له.
قوله: { وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اللهِ الذِي ءَاتَاكُمْ } [قال بعضهم: أي: أن يترك له طائفة من مكاتبته].
وقال بعضهم: أي: أعطوهم مما أوجب الله لهم من سهمهم في الصدقة؛ يقول: إنهم أحرار، وإنهم قد وجبت لهم الصدقة بفرض الله لهم منها سهماً فيها. وهي عنده كقوله:
{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْن السِّبِيلِ فَرِيضَةً مِن اللهِ } [التوبة: 60] لهؤلاء الذين سماهم الله في الصدقات، فكذلك قوله: { وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اللهِ الذِي ءَاتَاكُمْ } أي: أعطوهم فرضهم الذي فرض الله لهم في كتابه.
قوله: { وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَآءِ إِن أَرَدْنَ تَحَصُّناً } أي: تعفّفاً { لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا }.
قال بعضهم: كان الرجل يكره مملوكته على البغاء ليكثر ولدها.
وقال بعضهم: نزلت في أمة لعبد الله بن أبي بن سلول كان يكرهها على رجل من قريش رجاء أن تلد منه، فيفدي ولده. فذلك العرض الذي كان ابن أبي يبتغي.
قوله: { وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ } لهن { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [وليست لهم] وكذلك هي قراءة ابن مسعود.
قوله: { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إلَيْكُمْ ءَاياتٍ مُّبَيِّنَاتٍ } أي: قد أنزلنا إليكم كتاباً فيه آيات مبيّنات، أي: الحلال والحرام والأمر والنهي والفرائض والأحكام { وَمَثلاً مِّنَ الذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ } أي: أخبار الأمم السالفة { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }.
ذكروا عن أبي الدرداء قال: نزل القرآن على ست آيات: آية مبشّرة وآية منذرة، وآية فريضة، وآية تأمرك، وآية تنهاك، وآية قصص وأخبار.
قوله تعالى: { اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُّوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.
أما قوله: { مَثَل نُورِهِ } أي: فمثل نوره الذي أعطى المؤمن في قلبه (كَمِشْكَاةٍ) والمشكاة: الكوّة في البيت التي ليست بنافذة، وهي بلسان الحبشة. وهي مثل صدر المؤمن.
{ فِيهَا مِصْبَاحٌ } وهو النور الذي في قلب المؤمن. قال: { المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } صافية، والزجاجة القنديل، وهو مثل قلب المؤمن، قلبه صاف.
{ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كُوْكَبٌ دُرِّيٌّ } أي: عظيم مضيء (يُوقَدُ) يقرأ على وجهين: يوقد وتوقد، فمن قرأها بالياء فهو يعني المصباح، ومن قرأها بالتاء فهو يعني الزجاجة بما فيها، فكذلك قلب المؤمن يتوقّد نوراً.
{ مِنْ شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ } وهي مثل قلب المؤمن. { لاَّ شَرْقِيَّةٍ ولاَ غَرْبِيَّةٍ } أي: لا شرقية تصيبها الشمس إذا أشرقت ولا تصيبها إذا غربت. ولا غربية تصيبها الشمس إذا غربت ولا تصيبها إذا أشرقت؛ أي: ليس يغلب عليها الشرق دون الغرب، ولا الغرب دون الشرق، ولكن يصيبها الشرق والغرب. وقال بعضهم: لا يفيء عليها ظل شرقي ولا غربي؛ هي ضاحية للشمس، وهي أصفى الزيت وأعذبه وأطيبه.
وقال بعضهم: لا يصيبها فيء شرق ولا فيء غرب، هي في سفح جبل، وهي شديدة الخضرة. وهي مثل المؤمن. (لاَّ شَرْقِيَّةٍ) أي: لا نصرانية تصلّي إلى الشرق، (وَلاَ غَرْبِيَّةٍ) أي: ولا يهودية تصلّى إلى المغرب، أي: إلى بيت المقدس. الموضع الذي نزل فيه القرآن غربيّه بيت المقدس.
{ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ } أي: يكاد زيت الزجاجة يضيء { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } وهو مثل قلب المؤمن يكاد أن يعرف الحق من قبل أن يُبَيَّنَ لَهُ فيما يذهب إليه قلبه من موافقة الحق فيما أمر به، وفيما يذهب إليه من كراهية ما نهى عنه؛ وهو مثل لقوله: { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ }.
قال: { نُّورٌ عَلَى نُورٍ } أي: نور النار على الزيت في المصباح. فكذلك قلب المؤمن إذا تبيّن له الحق صار نوراً على نور، كما صار المصباح حين جعلت فيه النار نوراً على نور: نور الزجاجة، ونور الزيت، ونور المصباح.
قال: { يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ } أي: لدينه { وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ }.