التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ
١٦٨
وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
١٦٩
فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
١٧٠
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٧١
-آل عمران

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ } يعني من قتل من المؤمنين يوم أُحُد، هم إخوانهم بزعمهم لإِقرارهم بدينهم وادعائهم ملتهم ورضاهم بأحكامهم؛ فقال { الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ } بهذا المعنى وعلى هذا التفسير. { وَقَعَدُوا } أي: عن القتال { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } أي لو أطاعونا ما خرجوا مع محمد، ولعملوا كما عمل المنافقون [ولما قتلوا]. قال الله: { قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ المَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }. أي: لا تستطيعون أن تدفعوا عن أنفسكم الموت.
ثم أراد أن يعلمهم أنهم مقتولون أو ميّتون، وأن القتل في سبيل الله أفضل فقال: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }. ذكر بعض المفسّرين أنها نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول. وذكر لنا أن رجلاً من أصحاب النبي عليه السلام قال: يا ليتنا نعلم ما فعل إخواننا الذين قتلوا في سبيل الله يوم أحد؛ فأنزل الله: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }.
{ فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ } أي من الشهادة والرزق { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أي: إخوانهم الذين فارقوهم على دينهم وأمرهم، لِمَا قدموا عليه من الكرامة والفضل الذي أعطاهم الله.
ذكروا عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: لما قَدِمَت أرواح أهل أحد على الله، جُعلت في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، ثم تأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة بالعرش يجاوب بعضُها بعضاً بصوت رخيم، لم تسمع الخلائق بمثله يقولون: يا ليت إخواننا الذين خلّفنا من بعدنا علموا مثل الذي علمنا فسارعوا في مثل الذي سارعنا فيه، فإنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا [فوعدهم الله ليخبرن نبيّه بذلك حتى يخبرهم]. قال: فأنزل الله: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.
قال الله: { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ } أي ورزق { وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ } قال الحسن: فرحين بما ءاتاهم الله من الشهادة والرزق. وتأويل الشهيد: أنه يشهد كرامة الله. وإن بعضهم ليقول لبعض: تركنا إخواننا فلاناً وفلاناً في صفوفهم يقاتلون عدوّهم فيُقتَلون إن شاء الله، فيصيبون من الرِزق والكرامة والأمن والشهادة ما أصبنا؛ وهو قوله: { وَيَسْتَبْشِرُونَ بالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ }.