التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ
١٨٧
لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٨٨
وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٨٩
إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ
١٩٠
ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
١٩١
-آل عمران

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } وهذا ميثاق أخذ على العلماء من أهل الكتاب أن يبيّنوا للناس ما في كتابهم، وفيه رسول الله والإِسلام. { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ } وكتبوا كتباً بأيديهم فحرفوا كتاب الله { وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } يعني ما كانوا يصيبون عليه من عرض الدنيا { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } إذ اشتروا النار بالجنة.
وذكر بعضهم قال: هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم؛ من عَلِم علماً فليُعَلِّمه، وإياكم وكتمان العلم.
ذكر عطاء قال: من سئل عن علم عنده فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار جهنم. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"مثل الذي يتعلم العلم ولا يحدّث به كمثل الذي يكنز الكنز ولا ينفق منه" .
قوله: { لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا } هم اليهود. قال الحسن: دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى الإِسلام، فصبروا على دينهم، فخرجوا إلى الناس فقالوا لهم ما صنعتم مع محمد، فقالوا: آمنا به ووافقناه. فقال الله: { لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا }، يقول: فرحوا بما في أيديهم حين لم يوافقوا محمداً. { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا }.
قال الكلبي: قالوا: نحن أهل الكتاب الأول، وأهل العلم وأهل الصلاة والزكاة، ولم يكونوا كذلك، أحبّوا أن يحمدهم الناس وأن يطأوا أعقابهم بما لم يفعلوا.
وقال مجاهد: يفرحون بما أتوا، أي: بما فعلوا من تبديلهم التوراة، حرّفوها عن مواضعها، ففرحوا بذلك، وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، يعني أن يُحمدوا على أن لهم علماً، وليس عندهم علم بما حَرَّفوا، إنما ابتدعوا من قِبل أنفسهم.
وذكر لنا أن يهود خيبر أتوا نبي الله فزعموا أنهم راضون بالذي جاء به، وأنهم يتابعونه، وهم متمسكون بضلالتهم، وأرادوا أن يحمدهم نبي الله بأمر لم يفعلوه.
ذكر بعضهم قال: من طلب العلم والحديث ولم يحدّث به لم يرح ريح الجنة.
قوله: { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ } أي بمنجاة { مِّنَ العَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي موجع.
قوله: { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُِولِي الأَلْبَابِ } أي لذوي العقول وهم المؤمنون { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } يقولون: { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً } أي أن هذا سيصير إلى الميعاد. { سُبْحَانَكَ } ينزَّهون الله { فَقِنَا } أي: فاصرف عنا { عَذَابَ النَّارِ }.
قال الحسن: هذا دعاء علّمه الله المؤمنين يدعون به الله، ويسألونه الجنة، لأنه إذا وقاهم عذاب النار أدخلهم الجنة.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليلة عند عائشة فقال:
"يا عائشة، دعيني أتعبد دعيني أتعبد لربي. فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية، ثم استاك، ثم توضأ ثم صلّى، ثم قعد يذكر الله، ثم وضع جنبه فذكر الله، أحسبه فعل ذلك ثلاث مرات، فسألته عائشة، فتلا هذه الآية، ثم قال: ذكرت الله قائماً وقاعداً وعلى جنبي، فويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يتفكر فيها" .
وبعضهم يقول: { يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ }، يعني الصلاة المكتوبة، إذا لم يستطع أن يصلي قائماً فقاعداً، وإذا لم يستطع قاعداً فعلى جنبه.
قال بعضهم: هذه حالاتك يا ابن آدم كلها: اذكر الله وأنت قائم، فإن لم تستطع فاذكره وأنت جالس، فإن لم تستطع فاذكره على جنبك، يسراً من الله وتخفيفاً.