قوله: { وَمِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } يعني من آمن
منهم. قال بعضهم: كنا نُحَدَّثُ أن القنطار مائة رطل من الذهب، أو ثمانون ألفاً
من الورق. قال: { وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً }
بالطلب، أي إلا ما طلبته واتَّبعته. قال الكلبي: إن سألته حين تعطيه إياه رده
إليك، وإن أنظرته به أياماً ذهب به.
{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ }. قال الحسن: يعنون
بالإِميين مشركي العرب. قالوا: إنما كانت لهم هذه الحقوق وتجب لنا، وهم على
دينهم، فلما تحوّلوا عن دينهم الذي بايعناهم عليه لم يثبت لهم علينا حق. وقال:
بعضهم: قالت اليهود: ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل، أي إثم.
قال الله: { وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ } أي يقولون لأصحابهم هذا كذباً
على الله. { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم كاذبون.
قوله: { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى } قال الكلبي: يقول: من كان [وفيا
بعهده] فأدوا إليه الأمانة. وقال الحسن: بلى من أدّى الأمانة وآمن { فَإِنَّ اللهَ
يُحِبُّ المُتَّقِينَ }.
قوله: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً }. هم أهل الكتاب
كتبوا كتباً بأيديهم، وقالوا هذا من عند الله، فاشتروا به ثمناً قليلاً، أي عرضاً من
الدنيا يسيراً، وحلفوا لهم أنه من عند الله. وكان ما ادّعوا من قولهم: ليس علينا في
الأميين سبيل ما اشتروا به من عند الله وأيمانهم ثمناً قليلاً.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين كاذبة ليقطع بها مال أخيه
المسلم لقى الله وهو عليه غضبان" . قال عمر: إن ذلك لفي كتاب الله: { إِنَّ الَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً }.... إلى آخر الآية.
ذكروا عن الحسن أنه قال: ذكرت الكبائر عند النبي عليه السلام فقال: "فأين
تجعلون اليمين الغموس" .
ذكروا عن ابن عباس أنه قال: إذا رأيتم الرجل يريد أن يحلف في يمين
وجبت عليه، فاقرأوا عليه هذه الآية: { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً
قَلِيلاً }... إلى آخر الآية.
قوله: { أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ } [أي لا نصيب لهم من الجنة]
{ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ } أي بما يحبون، وقد يكلّمهم ويسألهم عن أعمالهم. { وَلاَ
يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ } نظر رحمة { وَلاَ يُزَكِّيهِمْ } أي: ولا يطهّرهم من ذنوبهم
{ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.