التفاسير

< >
عرض

قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ
٢٤

تفسير كتاب الله العزيز

{ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ } أي ابْتَلَيْنَاهُ { فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً } والركوع ها هنا هو السجود { وَأَنَابَ } أي: وأقبل إلى الله بالتوبة والدعاء.
وتفسير الحسن أن داوود جمع عُبّاد بني إسرائيل فقال: ايكم كان يمتنع من الشيطان يوماً لو وكله الله إلى نفسه؟ فقالوا: لا أحد إلا أنبياء الله. قال: فكأنه خطر في الوهم شيء.
قال: فبينما هو في المحراب في يوم صلاته، والحرس حوله والجنود، فبينما هو يصلي، إذا هو بطير حسن قد وقع في شرفة من شرفات المحراب. قال بعضهم: حمامة من ذهب، وبعضهم يقول: طير جؤجؤه من ذهب، وجناحاه ديباج، ورأسه ياقوتة حمراء، فأعجبه. وكان له بُنيٌّ يحبه. فلما أعجبه حسنه وقع في نفسه أن يأخذه فيعطيه ابنه.
قال الحسن: فانصرف إليه فجعل يطير من شرفة إلى شرفة ولا يؤيسه من نفسه حتى ظهر فوق المحراب. وخلف المحراب حائط تغتسل فيه النساء الحُيَّض إذا طهرن، لا يشرف على ذلك الحائط إلا من صعد على المحراب، والمحراب لا يصعده أحد من الناس.
فصعد داوود خلف ذلك الطير ففاجأته امرأة جاره، لم يعرفها، تغتسل. فرآها فجأة، ثم غضّ بصره عنها، فأعجبته. فأتى بابها فسأل عنها وعن زوجها؛ فقالوا: إن زوجها في أجناد داوود. فلم يلبث إلا قليلاً حتى بعثه عامله بريداً إلى داوود. وأتى داوودَ بكتبه. ثم انطلق إلى أهله، فأُخبِر أن نبي الله داوود أتى إلى بابه فسأل عنه وعن أهله. فلم يصل الرجل إلى أهله حتى رجع إِلى داوود، مخافة أن يكون حدث في أهله من الله أمر. فأتى داوودَ وقد فرغ من كتبه. وكتب إلى عامل ذلك الجند أن يجعله على مقدمة القوم. فأراد أن يقتل الرجل شهيداً ويتزوج امرأته حلالاً. إلا أن النية كانت مدخولة. فجعله على مقدمة القوم فقُتِل الرجل شهيداً.
قال فبينما داوود في محرابه والحرس حوله إذ تسوّر عليه المحراب ملكان في صورة آدميين ففزع، فقالا: { لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضِ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا } أي وأرشدنا { إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ } أي: إلى قصد الطريق.
قال: قُصَّا قضيتكما. فقال أحدهما. { إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ: أَكْفِلْنِيهَا } أي: ضُمَّها إِلي { وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ } أي: وقهرني في الخصومة. { قَالَ لَقَد ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ }... إلى قوله: { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ } أي وعلم داوود أنما ابتليناه { فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً } أي ساجداً أربعين يوماً لا يرفع رأسه إلا للصلاة المكتوبة يقيمها، أو لحاجة لا بد منها، أو لطعام يَتَبَلَّغ به. فأتاه ملك من عند الله فقال: يا داوود، ارفع رأسك فقد غفر الله لك. فعلم أن الله قد غفر له. ثم اراد أن يعرف كيف غفر الله مثل ذلك الذنب، فقال: يا ربّ، كيف تغفر لي وقد قتلتُه، يعني بالنية. فقال له ربه: استوهبُه نَفْسَه فيهبها لي فاغفرها لك. فقال: أي ربّ، قد علمت أنك قد غفرت لي.