التفاسير

< >
عرض

وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً
١٥٤
فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٥٥
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً
١٥٦
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً
١٥٧
بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
١٥٨
وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً
١٥٩
-النساء

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ } أي الجبل { بِمِيثَاقِهِمْ } أي أخذ ميثاقهم على أن يأخذوا ما أمرهم به بقوة، أي بجدّ { وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا البَابَ سُجَّداً } قال بعضهم: هو باب حطة. { وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُّوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيْثَاقاً غَلِيظاً } وقد فسَّرنا تعديهم في السبت في سورة البقرة.
قوله: { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } أي فبنقضهم ميثاقهم { وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } أي لا نفقه قولك يا محمد. قال الحسن غُلْف أي: قلف لم تختن لقولك يا محمد. وقال مجاهد: يعني الطبع. قال الله: { بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } قال بعضهم: قلَّ من آمن من اليهود.
قوله: { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً }. وهو ما قذفوا به مريم. والبهتان العظيم الكذب. وهم اليهود.
{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ } أي مسح بالبركة { رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ } أي ألقى الله على رجل شبه عيسى فقُتِلَ ذلك الرجلُ.
وقال بعضهم: ائتمروا بقتل عيسى وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه.
ذكروا أن عيسى قال لأصحابه: أيّكم يُلقى عليه شبهي وأنه مقتول؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله. فقُتِل ذلك الرجل ومنع الله نبيَّه ورفعه إليه.
وقال مجاهد: صلبوا رجلاً غير عيسى يحسبونه إياه، ورفع الله عيسى حيّاً.
قوله: { وَإِنَّ الذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } كان بعضهم يقول: هم النصارى اختلفوا فيه فصاروا فيه ثلاث فرق. وقال بعضهم: صارت النصارى فيه فرقتين: فمنهم من شهد أنه قتل، ومنهم من زعم أنه لم يقتل.
قال الله: { مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } أي ما قتلوا ظنهم يقيناً { بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً }. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر في حديث ليلة أسري به أنه أتى على يحيى وعيسى في السماء الثانية.
قوله: { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } يقول: قبل موت عيسى إذا نزل عليهم. { وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } أي يكون عليهم شهيداً يوم القيامة أنه قد بلغ رسالة ربه، وأقر بالعبودية على نفسه.
وبعضهم يقول: { إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } يقول: عند موت أحدهم.
وقال مجاهد: { إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } يعني كل صاحب كتاب قبل موت صاحب الكتاب.
ذكر الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد. وأنا أولى الناس بعيسى لأنه ليس بيني وبينه نبي. وإنه نازل لا محالة، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع الخلق، بين ممصرتين إلى الحمرتين والبياض، سبط الرأس، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب ويقتل الخنزير، ويقاتل الناس على الإِسلام، فيهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإِسلام. وتقع الأمانة في الأرض حتى ترتع الأسد مع الإِبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الغلمان بالحيَّاتِ لا يضر بعضهم بعضاً
"
.