التفاسير

< >
عرض

ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً
٣٤
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَٰحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً
٣٥
-النساء

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } أي مسلَّطُون على أدب النساء والأخذ على أيديهن. { بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } جعل شهادة امرأتين شهادة رجل واحد، وفضلوا في الميراث { وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } يعني الصّداق.
ذكروا أن رسول الله قال:
"المرأة مسكينة ما لم يكن لها زوج. قيل: وإن كان لها مال. قال نعم: وإن كان لها مال { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ }" .
ذكر بعضهم قال: ذكر لنا أن رجلاً لطم امرأته على عهد النبي عليه السلام فأتت المرأة نبيّ الله. فأراد نبي الله أن يَقُصّها منه، فأنزل الله: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ }. ذكروا عن الحسن أن رجلاً لطم امرأته فَرُفِع ذلك إلى النبي فقال: بئس ما صنعت فأنزل الله: { الرَّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ }.
وقال الحسن: ليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون الموضحة. أي: أنه يرى ذلك أدباً.
قوله: { فَالصَّالِحَاتُ } يعني المحسنات إلى أزواجهن { قَانِتَاتٌ } أي: مطيعات لأزواجهن في تفسير الحسن. وقال غيره: مطيعات لله ولأزواجهن { حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ } أي لغيب أزواجهن في فروجهن. { بِمَا حَفِظَ اللهُ } أي بحفظ الله إياهن في تفسير الحسن. وقال غيره: حافظات لما استودعهن الله من حقِّه، حافظات لغيب أزواجهن.
قوله: { وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنُّ } [عصيانهن، يعني تنشز على زوجها فلا تدعه أن يغشاها] { فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ }.
قال بعضهم: يبدأ فيعظها بالقول، فإن أبت هجرها، فإن أبت ضربها ضرباً غير مبرح، أي غير شائن. قال بعضهم: ثم يرتفعان إلى السلطان.
قوله: { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } أي إذا تركته يغشاها فلا يطلب عليها العلل. وقال الحسن في قوله: واهجروهن في المضاجع: لا يقربها. وقال الكلبي: { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } أي: لاَ تكلفوهن الحب: فإنما جعلت الموعظة لهن في المضجع والسبّ في المضجع، والضرب في المضجع؛ ليس على الحبّ، ولكن على حاجته إليها. { إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }.
قوله: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } أي: اختلافاً، أي: إن نشزت المرأة حتى تشاقّ زوجها { فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ } أي من أهل الرجل { وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا } أي: من أهل المرأة { إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً }.
أي إذا نشزت ورفع ذلك إلى الإِمام بعث الإِمام حكماً من أهل المرأة وحكماً من أهل الرجل يُصلحان بينهما، ويجمعان ولا يُفرّقان، وينظران من أين يأتي الضرر والمدافعة؛ فإن اصطلحا فهو من الله، وإن أبيا ذلك وأبت المرأة إلا النشوز وقّفها الإِمام على النشوز؛ فإن افتدت من زوجها حلّ له أن يخلعها، والخلع جائز عند السلطان وغيره.
وقال بعضهم: فابعثوا حَكَماً عدلاً مِن أَهلها وحَكَماً عدلاً من أهل الرجل ينظران في النصيحة لهما فيعظان الظالم. وذلك أنه يخلو حَكَم الرجل بالرجل فيقول: أخبرني بما في نفسك فإني لا أستطيع أن أفرّق أو أجمع إلا بأمرك. فإن كان الرجل هو الناشز الظالم قال له: فرّق بيني وبينها، فلا حاجة لي فيها. وإن لم يكن هو الناشز قال له: أرضها من مالي بما أحبّت ولا تفرّق بيني وبينها. ويخلو حكم المرأة بالمرأة فيقول: أخبريني بما في نفسك. فإن كانت هي الناشزة قالت له: أعطه من مالي ما شاء وفرّق بيني وبينه. فإن لم تكن هي الناشزة قالت له: اتق الله ولا تفرق بيني وبينه، ولكن استزده لي في نفقتي، ومره أن يحسن إلي. ثم يلتقي الحكمان. وقد علم كل منهما ما قال له صاحبه. فإن أرادا إصلاحاً بين الرجل والمرأة أخذ كل منهما على صاحبه يميناً لتصدقني وأصدقك. فإذا صدق كل واحد منهما صاحبه عرفا من أيٍّ جاء النشوز. فإن كان من قِبل الرجل قالا له: اتّقِ الله، فإنك أنت الظالم الناشز، فارجع إلى أمر الله، فيأمرانه بالعدل، ويأخذانه بالنفقة حتى يرجع إلى أمر الله ولا يطلقها. وإن كانت المرأة هي الناشز، الظالمة لزوجها، قالا لها: أنت الناشز الظالمة لزوجك، فيأمرانها بالعدل، لعل الله يُصلح ما بينهما على أيديهما.
وقال بعضهم: إنما يُبعث الحكمان ليُصلحا. فإن أعياهما أن يُصلحا بينهما شهدا على الظالم بظلمه وليس بأيديهما الفرقة ولا يملكان ذلك.
وبلغنا عن علي بن أبي طالب أنه قال للحكمين: ذلك إليكما إن رأيتما أن تفرّقا ففرّقا.