التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
٥٩
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً
٦٠
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً
٦١
-النساء

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } قال الحسن: أولو الأمر منكم: أهل الفقة والعلم والرأي. غير واحد أنه قال: أولو الأمر منكم: العلماء.
ذكروا عن عطاء أنه قال: يا أيها الذين ءَامنوا أطيعوا الله، يعني كتابهُ، وأطيعوا الرسول، يعني ما سَنَّ رسول الله، وأولي الأمر منكم: العلماء من كانوا، وحيثما كانوا. وتفسير مجاهد: أولو الفقه في الدين والعقل.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"السنة سنتان: سنة في فريضة، الأخذ بها هدى وتركها ضلالة، وسنة في غير فريضة الأخذ بها فضيلة وتركها ليس بخطيئة " .
وكان الكلبي يقول: أولو الأمر منكم أمراء السرايا.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني " .
قوله: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ } يعني فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله. قال: { إِن كُنتُمْ تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } أي أحسن ثواباً وخيرٌ عاقبةً.
وقال مجاهد: أحسن ثواباً أي: أحسن جزاءً. قال هو مثل قوله:
{ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ } [الأعراف:53] أي ثوابه في الآخرة.
وقال الكلبي: فإن تنازعتم في شيء، يعني في السرية وأميرها فردوه إلى الله والرسول.
قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ }.
قال الحسن: إن رجلاً من المسلمين كان له على رجل من المنافقين حق فدعاه المسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق إلى وثن بني فلان الذي كان أهل الجاهلية يتحاكمون إليه، وعند ذلك الوثن رجل يقول للخصمين: قضى بينكما بكذا وكذا. وإنما عبادة الوثن عبادة الشيطان. والأوثان هي الطواغيت.
وقال الكلبي: إن رجلاً من المنافقين كان بينه وبين رجل من اليهود خصومة فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد نختصم إليه. وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف، وهو الذي يُسمَّى [هاهنا] الطاغوت في قول الكلبي: وقال بعضهم: أراد أن يحاكمه إلى كاهن بالمدينة فقال الله: { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ }.
قال تعالى: { وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً }. والطاغوت الشيطان. والكاهن من أمر الشيطان. والإِيمان بالشيطان كفر بالله، والإِيمان بالله كفر بالشيطان. قال الله:
{ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤمِنُ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى } [البقرة:256].
ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من أتى عرّافاً فصدّقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد
"
. ذكروا أن عبد الله بن مسعود قال: من أتى كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد.
قال الكلبي: فأبى المنافق أن يخاصمه إلى النبي، وأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى النبي. فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى لليهودي. فلما خرجا من عنده قال المنافق لليهودي: انطلق بنا إلى عمر بن الخطاب أخاصمك إليه. فأقبل معه اليهودي، فدخلا على عمر، فقال اليهودي: يا عمر، إنا قد اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه، فلم يرض هذا بقضائه، وزعم أنه يخاصمني إليك، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم. قال عمر: رويدكما حتى أخرج إليكما. فدخل البيت فاشتمل على سيفه، ثم خرج إلى المنافق فضربه حتى بَرَد. فأنزل الله على نبيه
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [النساء:64-65].
ذكر بعضهم أنها نزلت في رجل من الأنصار يقال له بشر وفي رجل من اليهود في حق كان بينهما، فتنافرا إلى كاهن كان في المدينة ليحكم بينهما وتركا نبيَّ الله. وذكر لنا أن اليهودي يدعوه إلى النبي ليحكم بينهما، وقد علم أنه لن يجور عليه فجعل الأنصاري يأبى، ويزعم أنه مسلم، فنزلت فيهما هذه الآية.