التفاسير

< >
عرض

وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ
٨٨
لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٨٩
-المائدة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنَونَ }. قال بعضهم: ذكر لنا "أن رجالاً من أصحاب النبي عليه السلام رفضوا النساء واللحم وأرادوا أن يتخذوا صوامع. فلما بلغ ذلك نبي الله قال: ليس في ديني ترك النساء واللحم ولا اتخاذ الصوامع" .
قوله: { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ }.
ذكروا عن جعفر بن أبي وحشية قال: قلت لسعيد بن جبير: قول الله: { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } أهو الرجل يحلف على الشيء وهو يرى أنه كذلك فلا يكون كذلك؟ قال: لا، ولكنه تحريمك ما أحلّ الله لك في يمينك، فذلك الذي لا يؤاخذك الله بتركه.
وقال الحسن وغيره: هو الشيء يحلف عليه الرجل وهو يرى أنه كذلك فلا يكون كذلك.
ذكروا عن عطاء أنه قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فسألناها عن هذه الآية فقالت: هو قول الرجل: لا والله، وبلى والله.
{ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ } أي: ما حلفتم فيه معمّدين. وقال بعضهم: ما تعمّدت فيه المأثم فعليك فيه الكفارة.
قال: { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رََقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
ذكروا عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يا عبد الرحمن لا تسأل الإِمارة، فإنك إن تُعْطِهَا عن مسألة تُكَلْ إليها، وإن تُعْطَهَا عن غير مسألة تُعَن عليها. وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأْت الذي هو خير وكفر عن يمينك" .
ذكروا عن الحسن أنه قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه إلاَّ طلاق أو عتاق.
قوله: { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ }، أي يشبعهم. إن شاء أعطى كل إنسان منهم مدّين قمحاً، وإن شاء مدّاً واحداً وإن شاء جمعهم على ثريد بخبز ولحم، أو خبز وسمن، أو خبز وزيت، أو خبز ولبن؛ إن شاء غَداء وعَشاء، وإن شاء أكلة واحدة غَذاء أو عَشاء؛ وإن كانوا صغاراً فغذاء وعشاء. وإن لم يجد عشرة مساكين جميعاً أطعم من وجد منهم اليوم، ثم أطعمهم غداً، ثم أطعمهم بعد غد حتى يتموا عشرة.
وأما قوله: أو كسوتهم فإن شاء كسا كل واحد منهم ثوبين وإن شاء ثوباً واحداً. وقال بعضهم: إن كسا ثوباً واحداً كان ثوباً جامعاً كساء وملحفة.
وذكر الحسن أن أبا موسى الأشعري كسا في كفارة اليمين لكل مسكين ثوبين معقدين من معقد البحرين. وبه كان يأخذ الحسن.
قوله: { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } إن شاء أعتق رقبة صغيرة أو كبيرة، وإن كانت من أهل الكتاب فلا بأس.
قوله: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ } أي: فمن لم يجد من هذه الأشياء الثلاثة شيئاً من الإِطعام أو الكسوة أو العتق فهو في ذلك مخيّر يفعل أيَّ ذلك شاء. وكل شيء في القرآن أو، أو، فهو في ذلك مخيّر، وكل شيء في القرآن كذا وكذا، فمن لم يجد فكذا وكذا، فمن لم يستطع فكذا وكذا فإنه يبدأ بالأول فالأول.
قوله: { فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ }. أي: متتابعة، وهي في قراءة عبد الله بن مسعود: (ثَلاَثَةِ أَيِّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ).
قال: { ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي لكي تشكروا نعمة الله.
ذكر بعضهم قال: الأََيمان أربعة: يمينان تكفران، ويمينان لا تكفّران فأما اللتان تكفّران [فهو أن يقول الرجل والله لا أفعل فيفعل، أو يقول: والله لأفعلن ثم لا يفعل، وأما اللتان لا تكفران] فالرجل يقول: والله ما فعلت وقد فعل، والرجل يقول: والله قد فعلت ولم يفعل ذلك.
ذكروا عن ابن عباس
"أن رجلين تخاصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلف المدَّعِيَ البينةَ فلم تكن له بينة، فاستحلف المدَّعى عليه بالله الذي لا إله إلا هو، فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندي حق. فنزل جبريل فقال له: قل له يرد على الرجل حقّه، وكفارته شهادته أو معرفته أن لا إله إلا الله" .
قال بعضهم: إنما تكون الكفارة في المستقبل إذا حلف أن يفعل أو لا يفعل؛ فإذا أخبر عما مضى فليس عليه كفارة، وإن كان لم يتعمد فليس عليه فيه مأثم، فإن تعمّد الكذب فهو آثم، وليس على واحد منهما كفارة، ولكن يستغفر الله ولا يعود.
وذكروا عن الحسن في الرجل يقول للرجل؛ والله لتفعلن ويقول الآخر: والله لا أفعل فلا يفعل، فليس على أحد منهما كفارة؛ يقول: إنما تكون الكفارة عليه إذا حلف على نفسه، وأما إذا حلف على غيره فلا كفارة. وليس ينبغي أن يحلف على الغير أن يفعل أو لا يفعل حتى يقول: إن شاء الله؛ وهو قوله:
{ وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ } [الكهف:23-24] أي: تقول: إن شاء الله.
وكان بعضهم يقال: إذا استثنى في اليمين قبل أن يتكلّم بَينهما بشيء فله ثنياه.
ذكروا عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن استثنى فله ثنياه" .
وقال بعضهم: ليس الاستثناء بشيء حتى يجهر باليمين.
وسئل بعضهم عن الرجل يحلف على الشيء الواحد فقال: كفارة واحدة. وكان الحسن يقول ذلك. وقال أبو عبيدة: إن جمع فكفارة واحدة وإن فرّق فلكل يمين كفارة.