التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ
١٢٨
وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٢٩
يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ
١٣٠
-الأنعام

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الجِنِّ } أي: ثم نقول يَا مَعْشَرَ الجِنِّ { قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ } ذكروا أن مجاهداً قال: { قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ } أي قد كثر من أغويتم وأضللتم من الإِنس، وهو قول الحسن. { وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنسِ } أي الذين أضلوا من الإِنس { رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ }.
قال الكلبي: كانت الجن قد أضلوا كثيراً من الإِنس حتى تولَّوْهم وعَدَوا بهم. وكان استمتاع الإِنس بالجن أن الرجل كان إذا خاف الضلال وهو بأرض قفراء واستوحش بها قال: أعوذ بسيّد هذا الوادي من سفهاء قومه فيبيت في جواره وكان استمتاع الجن بالإِنس أن يقولوا: لقد سوّدتنا الإِنس مع الجن فيزدادون بذلك شرفاً من قومهم. وقال في سورة الجن: { وَإنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ } أي إذا حل أحد من الإِنس بالوادي القفر أو بالمكان المخوف قال: أعوذ بسيّد هذا الوادي من سفهاء قومه. قال:
{ فَزَادُهُمْ رَهَقاً } [الجن:6] والرهق هو الإِثم، إذ استعاذوا بمن لا يعيذ وتركوا أن يستعيذوا بالله الذي يعيذ من استعاذ به.
قوله: { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا } قال الكلبي: الموت { قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ } أي مصيركم ومنزلكم { خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ } إلا قدر ما تخرجون من قبوركم فتحاسبون بأعمالكم الخبيثة فتعاقبون عليها وتخلدون في النار. فلذلك استثنى من الخلود ما ذكرنا إلا قدر ما وصفنا. { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } أي حكيم في أمره عليم بخلقه.
قوله: { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }. قال الحسن: المشركون بعضهم أولياء بعض كما أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض. قال بعضهم الآية محتملة جامعة لجميع الظالمين، وهو ظلم فوق ظلم وظلم دون ظلم.
قوله: { يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنْسِ } يعني من كفر منهم { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ } أي من الإِنس خاصة، ولم يبعث الله نبياً من الجن ولا من النساء ولا من أهل البدو. وإن كان خاطب بهذه المقالة الثقلين جميعاً من الجن والإِنس، وأرسل فيهم الرسل من الإِنس خاصة، فقال وهو يخاطبهم جميعاً: الجن والإِنس: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ } أي: من أحدكم، أي من الإِنس. كقوله: { يَخْرُجُ مِنْهُمَا } أي من البحرين
{ اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [الرحمن: 22] وإنما يخرج من أحدهما، وليس يخرج منهما جميعاً، وكذلك قوله: { يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ } أي من أحدكم، وهو الإِنس. قال: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ القُرَى } [يوسف:109] أي من أهل الحضر لأنهم كانوا أعلم وأفضل من أهل العمود.
ذكروا أن معاذ بن جبل كان على بعض قرى أهل الشام فجاء أناس من أهل البادية فقالوا: قد شقّت علينا الإِقامة، فلو بدأت بنا، فقال لعمري لا أبدأ بكم قبل أهل الحضارة أهل العبادة وأهل المساجد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"تنزل عليهم السكينة، وإليهم يأتي الخير، وبهم يبدأ يوم القيامة" .
قوله: { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا } أنه قد جاءتنا الرسل في الدنيا، وهذا بعد ما صاروا إلى النار.
يقول الله: { وَغَرَّتْهُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا } إذ كانوا فيها { وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهمْ } أي في الآخرة { أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ } أي في الدنيا.