التفاسير

< >
عرض

وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤١
-الأنفال

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ }.
ذكر عبد الله بن الخير قال: بينما نحن جلوس بهذا المربد إذ أقبل علينا أعرابي أشعر الرأس، أو مشعار الرأس، قال: قلنا: والله لكأَنَّ هذا ليس من أهل البلد. قال: أجل. قال وإذا معه أديم أو قطعة من جواب، قال: هذا كتاب كتبه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذنا الكتاب، فقرأناه. فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد النبي، رسول الله، لنبي زهير بن أٌقَيْش: إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وفارقتم المشركين، وأعطيتم من الغنائم الخمس، وسهم الصفي، وربما قال: وصفيّه، فأنتم آمنون بأمان الله وأمان رسوله.
وسهم الصفي ـ فيما بلغنا ـ أنه إذا جمعت الغنائم كان للنبي شيء يُصْفَى به قبل أن تقسم الغنائم، فرساً كان أو بعيراً أو غير ذلك.
وقال الحسن: كانت إذا جمعت، للنبي أن يأخذ منها ما شاء قبل أن تقسم الغنائم، وهو الصفي الذي أصفاه الله محمداً عليه السلام. وأن النبي عليه السلام لم يستأثر على المسلمين من ذلك السهم قط. وقد جعله الله له يريد بذلك كرامته. فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين، وصار أجره وذخره لرسول الله عند الله. ثم يجعل الغنائم على خمسة أخماس؛ يقوم ويقسم، ثم يقرع عليها، فيخرج منها خمساً لله.
وبلغنا أن عثمان بن عفان كان يقول لصاحب الجيش إذا بعثه: إذا غنمتم غنيمة فاقسمها على خمسة أخماس. ثم خذ خمسة أسهم، فاكتب على سهم منها: لله. ثم ألقها عليها، فأيها وقع عليها ذلك السهم فاجعله الخمس.
قال الحسن: فيأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس ما شاء. وليس فيه وقت. ويعطي قرابته من ذلك ما رأى. ويعطي اليتامى والمساكين وابن السبيل على قدر ما يرى من قتلهم وكثرتهم وفقرهم. وليس ذلك على الأمراء. ثم يقسم رسول الله والأئمة بعده تلك الأربعة الأخماس على أهل العسكر، فيعطي الفرس سهمين وفارسه سهماً.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"والذي نفسي بيده، ما أعطيكم شيئاً ولا أمنعكموه، إنما أنا خازن أضع حيث أمرت"
ذكروا عن معاوية أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما أنا قاسم، والله يعطي"
ذكر بعض أهل العلم قال: تقسم الغنائم على خمسة أخماس؛ فخمس منها لله والرسول، فهذا سهم واحد، ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وأربعة أخماس لأهل القتال. فأما سهم ذي القربى فإن أبا بكر وعمر حملا عليه في سبيل الله.
ذكروا أن نجدة كَتَبَ إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى فكتب إليه: إنا كنا نراه لقرابة رسول الله فأبى ذلك علينا قومنا.
ذكر بعض أهل العلم قال: ما بيع بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين. ولا بأس بأكل الطعام ما لم يُبع فيصير ذهباً أو فضة.
ذكر ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوم خيبر للفارس سهمين وللراجل سهماً.
ذكروا أن أربعة من المسلمين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ومعهم فرس، فأعطى الفرس سهمين، وأعطاهم سهماً سهماً.
ذكروا عن خالد بن الوليد أَنه أُتِي بهجين فقال: لأَن أَسَفَّ التراب أحبُّ إليّ من أن أقسم له. ذكر بعضهم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم للهجين سهماً.
وسئل بعض أهل العلم عن الرجل يكون معه الأفراس فقال: لا يقسم لأكثر من فرسين، ولو كانت معه عشرة أفراس.
ذكروا أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن المرأة والعبد يشهدان الغنيمة، فقال: ليس لهما من الغنيمة شيء، إلا أنه قال: يُحْذَيَان.
وقال بعضهم: إذا قسمت الغنائم فلا يُخَص أحد دون أحد إلا راعٍ أو دليل.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى إلى جنب بعير ثم أخذ وَبَرَه منه فقال:
"ما لي ولكم منها مثل هذه، إلا الخُمُس، ثمَّ هو ردٌّ عليكم، فأَدُّوا الخيط والمِخيط، فإن الغلول نار وشنار على أهله يوم القيامة" .
ذكروا أن رجلاً من يعلين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أحد أحق بالمغنم من أحد؟ قال: " لا، حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس بأحق منه"
ذكروا عن الحسن قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: استُشْهِدَ فتاك فلان قال: "كلاَّ، إني رأيته يُجَر إلى النار بعباءة غَلّها"
قوله: { إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ } أي يوم بدر، فرق الله فيه بين الحق والباطل [فنصر الله نبيه وهزم عدوه]. قال: { يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ } أي جَمْع المسلمين وجمع المشركين { وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.