التفاسير

< >
عرض

يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٧٤
-التوبة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ }.
ذكروا عن الحسن قال:
" قال رجل من المنافقين لرجل من المسلمين: إن كان ما يقول محمد حقاً لنحن أشرُّ من الحمير. فقال المسلم: فأنا أشهد أن ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم حق وإنك شر من حمار. ثم أتى النبي عليه السلام فأخبره بذلك. فأرسل النبي إلى المنافق فقال:أَقُلتَ كذا وكذا فقال: [والله] يا رسول الله ما قلته، [وحلف المسلم لقد قاله] فأنزل الله: { يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ }" أي بعد إقرارهم وتوحيدهم.
{ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } قال مجاهد: هو المنافق الذي قال ما قال، أراد أن يقتل المسلم الذي أخبر النبي عليه السلام يقول المنافق للمؤمن: إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن أشر من الحمير.
قال بعضهم: بإظهار النفاق. وكان يقول: كانوا نفراً، وكان الرجل الذي أخبر النبي عليه السلام حاضرَهم حين قال بعضهم: لئن كان ما يقول محمد حقاً لنحن أشر من الحمير؛ فلم يفطنوا بمكان الرجل، فأرعب الله قلوبهم، فقال في سورة الأحزاب:
{ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ } [الأحزاب:60] بالنبي وأصحابه، وهم المنافقون، يقولون: يهلك محمد وأصحابه، ونرجع إلى دين مشركي العرب.
وقال بعضهم: نزل هذا حين قالوا:
{ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ } [المنافقون:8] فقال الله لئن لم ينتهوا عن إرجافهم وإظهارهم نفاقَهم { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } أي لنسلِطنَّك عليهم فتقتلهم، { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً } [الاحزاب:60].
وقال بعضهم: { وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } أي: حين قالوا { لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ }.
قوله: { وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } يقول: لم ينقموا من الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم أصابوا الغنى في الدنيا، ولو تمسّكوا به لأصابوا الجنة في الآخرة. وهو كقوله:
{ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمُ إِلاَّ أَن يُّؤْمِنُوا بِاللهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ } [البروج:8] وكقوله: { يَا أَهْلَ الكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ ءَامَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ }.
قوله: { فَإِن يَتُوبُوا } أي: يرجعوا عن نفاقهم { يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا } عن التوبة، ويباينوا بالنفاق { يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا } بالسيف { وَالأَخِرَةِ } بالنار { وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ } يمنعهم من عذاب الله { وَلاَ نَصِيرٍ }.