التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ
٧٨
ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٧٩
ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ
٨٠
-التوبة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ } فسرهم الذي يخفونه والذي في قلوبهم من النفاق، ونجواهم ما يتناجون به من النفاق فيما بينهم. أي: قد عملوا ذلك فيما أنزل الله في كتابه، وقامت به الحجة عليهم. { وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ }.
قوله: { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
ذكروا
"أن عبد الرحمن بن عوف جاء بنصف ماله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقرّب به إلى الله فقال: يا رسول الله، هذا صدقة [وأحسبه قال: يا رسول الله هذا نصف مالي أتيتك به، وتركت نصفه لعيالي. فدعا الله أن يبارك له فيما أعطى وفيما أمسك]" .
فلمزه المنافقون، وقالوا: ما أعطى إلا رياء وسمعة.
"وجاء الحثحاث أبو عقيل، رجل من الأنصار، إلى النبي عليه السلام فقال: يا رسول الله: بت البارحة أجر الجرير على صاعين من تمر. فأما صاع فأمسكته لأهلي، وأما صاع فهذا هو. [فقال له نبي الله عليه السلام خيراً]" ؛ فقال المنافقون: والله إن كان الله ورسوله لغنيِّيْنِ عن صاع أبي عقيل. فأنزل الله هذه الآية. وقال:
{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ } أي خالفوا الله ورسوله { وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ } أي لا يكونون بالفسق مهتدين عند الله. وهذا فسق النفاق، وهو فسق دون فسق، وفسق فوق فسق.
وكانوا يأتون النبيَّ عليه السلام ويعتذرون إليه، ويقولون:
{ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحُسْنَى } [التوبة:107] و { إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } [النساء:62]. فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد خيّرني ربي، فوالله لأزيدنَّهم على السبعين " ؛ فأنزل الله هذه الآية في سورة المنافقون { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ } [المنافقون:6] وهو فسق النفاق.
وهذا مما يدل أهل الفراق أن لو كانوا مشركين كما وصفوا لم يستغفر لهم رسول الله، ولم يقل لأزيدن على السبعين مرة في الاستغفار لهم؛ وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجهل الشرك فيستغفر لأهله، وقد قال الله:
{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ } [التوبة:113].