التفاسير

< >
عرض

قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٦
-يونس

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قُلْ لَو شاءَ اللهُ } غير ذلك { ما تَلوتُه عَليْكُم } بأن لا ينزله علىَّ، والأمر بمشيئته، ولا بمشيئتى، فضلا عن أن أجعله كما تحبون، ولولا أن الله سبحانه وتعالى أنزله على ما قدرت عليه، فإنه عجيب خارق للعادة، لا يستطيع مثله مخلوق، ولا سيما أنى لم أعلم الكتابة، ولم أشاهد العلماء ساعة من عمرى، ولا نشأت فى بلد فيه علماء.
{ ولا أدْراكُم } أعلمكم ولا نافية، والألف ممالة، وقرأ ورش بين بين، وأخلص الفتح ابن كثير، وقالون، وحفص، وهشام، والنقاشى عن الأخفش { بهِ } على لسانى، وقرأ ابن كثير ولأدراكم بلام جواب لو، وإسقاط الألف قبل الدال، وذلك لما عطف على جواب لو صح قرنه باللام، لأنه كالجواب، ومعناها التوكيد، وكذا لام جواب لولا، ولام جواب القسم، ويفدن الربط مع ذلك أيضا، والمعنى: ولأعلمكم به على لسان غيرى، فإنه الحق الذى لا مفر منه، لو لم أرسل به لأرسل به غيرى، ولكن مَنَّ الله علىَّ به، وذلك رواية النقاش، عن أبى ربيعة، عن البزى، عن ابن كثير.
وقرأ ابن كثير من طريق آخر كالجمهور، وقرأ الحسن، وابن سيرين، وأبو رجاء، ولا ادرأتكم به بهمزة ساكنة بعد الراء على لغة من يقلب الألف المبدلة من الياء فى الآخر ألفا، قال أبو حاتم: هى لغة بنى الحارث بن كعب، وعن قطرب لغة عقيل، قلت: هى لغة القبيلتين، وقبائل من اليمن، وتعضده قراءة ابن عباس، وشهر بن حوشب، ورويت تلك القرءاة عن ابن عباس أيضا: ولأنذرتكم به وروى الفراء، ولا أدراكم به بهمزة مفتوحة بدون تاء على تلك اللغة، وذلك أن الألف والهمزة من واد واحد، ويجوز أن يكون الهمزة من درأ دفعه، وأدخلت همزة التعدية أولا للبعدية، يقال: أدراه إياه، أى جعله دافعا له، فتعدى بالهمزة إلى مفعول آخر، أى ولاجعلتكم أو لأجعلكم خصماء تدافعوننى.
{ فَقَد لبثْتُ } وقرأ أبو عمرو لبث بالإدغام { فِيكُم عُمراً } قطعة من عمرى، أو زماناً مقدار عمر، وقرئ بسكون الميم { مِنْ قَبْله } من قبل القرآن، وذلك أنه لبث فيهم أربعين سنة لا يقول به ولا يتلوه، ولا يتعاطى مثله، ولا خطبة ولا رسالة { أفلا تَعْقلُون } تدركون بعقولكم أنه من الله لا افتراء منى، ولا مشيئة منى، فإن فصاحته غلبت كل فصاحة، وأعرب عن أقاصيص وأحاديث الأولين والآخرين، واحتوى على قواعد على الأصول والفروع، مع بعدى عن مظان علم ذلك وتناوله، ونشأتى بين أظهركم، وعلمكم بحالى، وإقراركم بأنى لا أكذب، حتى سميت بينكم أميناً.
روى أنه كان يرى بمكة خمس عشرة سنة، يرى الضوء وهو نور الملائكة، أو نور آيات الله سبحانه وتعالى، ويسمع الصوت وهو صوت الهاتف من الملائكة، حتى تم أربعون عاماً رأى الملك عيانا وشافهه بالوحى من الله سبحانه وتعالى.
وروى أنه وُكِّل به إسرافيل ثلاث سنين، يترآى له ويأتيه بالكلمة من الوحى والشىء، ثم جبريل عليه السلام، فجاءه بالقرآن وأقام بمكة عشر سنين فى وحى جبريل والنظر إلى ثلاث السنين من إسرافيل، يكون ذلك ثلاث عشرة، وقيل: أقام بها بالوحى خمس عشرة سنة، كأنه قرن به إسرافيل خمس سنين، وأقام بالمدينة عشراً، ومات ابن ثلاث وستين على الصحيح، وليس فى رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.