التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ
٥٩
-يونس

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قلْ } يا محمد لكفار مكة { أرأيتم } أخبرونى { ما } مفعول مقدم بقوله: { أنزلَ } وهى استفهامية، وجملة أنزل { اللهُ } مفعول لأرأيتم معلق عنها بالاستفهام، كما تقول: أخبرنى هل قام زيد؟ أو ما مفعول لأرأيتم، وهى موصولة، والجملة بعدها صلة، والرابط محذوف أى ما أنزله الله.
{ لكُم مِنْ رِزْقٍ } بيان لما على الوجهين، أو من الرابط المحذوف، فهو حال من ما أو منه، أو نعت لما، فإنه لا مانع عندى من نعت ما الاستفهامية، وكم الخبرية والاستفهامية، ووجه كونه حال من ما الاستفهامية، مع أنها نكرة، أن تقدم الاستفهام مسوغ بمجئ الحال من اسم الاستفهام نفسه، بل قد تقدم عليها استفهام آخر، فإن لفظ أرأيتم استفهام، والمراد بإنزال الرزق خلق الرزق، أو إنزال الرزق بالواسطة، لأنه بوسائط سماوية كالمطر وحرارة الشمس، فجعله كأنه منزل بنفسه، ولأنه مقدر فى اللوح المحفوظ، وعلى أيدى ميكائيل وأعوانه، والمراد من الرزق ما حل منه، فإنه يطلق على الحلال والحرام، ودل على هذه الإرادة بقوله: { لكم } فلذلك وبخهم على تحريم بعضه إذ قال: { فجَعَلتُم منْهُ حَراماً } كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام، والنصيب من الحرث لشركائهم وترك ما فى بطون الأنعام يحرمونه على أزواجهم.
{ وحَلالاً } هو غير ذلك مما قالوا بحليته، وهو حلال، أو أراد بالحلال حلال شرعا، والميتة ونحوها من المحرمات، فإنها عندهم حلال فيكون المعنى إن الله سبحانه وتعالى أنزل لهم الرزق الحلال، وبين لهم الحرام، كالميتة، وتركوا هذا التشريع واخترعوه شرعا، بأن حرموا بعض ما أحل الله، وحللوا ما حرم، ومن تبعيضية متعلقة بمحذوف مفعول ثانٍ مقدم، وقيل: هى ومدخولها فى مقام المفعول الأول، لأن المعنى فجعلتم بعضه، وقيل: اسم مضاف للضمير المفعول الأول.
{ قُلْ آللهُ أذِنَ لَكُم } فى التحليل والتحريم، هذا إنكار وتوبيخ واستفهام على الأسلوب الحقيقى { أمْ عَلى اللهِ تفْتَرونَ } إذ كانوا ينسبون ذلك إلى الله، أو يعتقدون إصابة الحق فى ذلك عند الله، وذلك افتراء منهم فى الحقيقة، وأم متصلة عاطفة لتفترون على أذن لكم، ويجوز كونها منقطعة، أى بل تفترون على الله، أو بل لتفترون على الله، فهى بمعنى بلا وبل وهمزة التقرير، ويجوز أن يكون قل توكيد للأول، وقوله: { آلله أذن لكم أم على الله تفترون } عائد إلى قوله: { أرأيتم } مستأنف على جعل ما موصولة، أو مفعول ثان معلق عنه، وبدل من ما على جعلها استفهامية، ولذلك قرن بهمزة الاستفهام، وبدلوا لمضمن الهمز يلى همز، أو صح جعل الجملة بدلا من مفرد لتأويلها بالمفرد، ومن قال شيئا فى أمر الحلال والحرام والحكم، غير مستند إلى مجتهد، ولا إلى اجتهاد نفسه إن كان مجتهدا دخل فى الآية.