التفاسير

< >
عرض

أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٦٢
ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٦٣
لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٦٤
-يونس

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ألاَ إنَّ أولياءَ اللهِ } وهم الذين تولوا الله بالطاعة، واشتغلوا بها، والدعاء إليها، وتولاهم الله بالكرامة والهداية، وفى الحديث: "إنهم الذين يُذكَر اللهَ برؤيتهم وبذكرهم" وذلك أن هيئتهم فى أعمالهم تدل على الله ويخشعون، وزيد فى رواية: ويذكرون بذكر الله وفى حديث: "إنهم المتحابون فى الله، لا فى مال ولا نسب ولا دنيا، يكونون تحت ظل العرش، على منابر من نور، وعلى وجوههم نور، يتمنى حالهم الأنبياء والشهداء" وقيل: من استغرق فى الله إذا رأى دلائل قدرة الله، وإذا سمع سمع آيات الله، وإذا نطق نطق بالثناء على الله سبحانه وتعالى، وإذا تحرك أو اجتهد أو فكر ففيما يقربه إلى الله، وقال ابن زيد: أو المتكلمون من صح اعتقاده، وأدى الفرض واجتنب المعصية كما أشار إليه بقوله: { الذين آمنوا وكانوا يتقون }.
{ لا خَوفٌ عَليْهم } من لحوق مكروه { ولا هُم يحْزَنُون } بفوات مأمول، لأنهم لا يفوتهم، ولا بما فاتهم من الدنيا، لأنهم لم يضيعوها، بل اشتروا بها الجنة، ولا بعذاب يلحقهم، إذ لا عذاب عليهم، وذلك فى الآخرة.
وقيل: لا يخافون فى الدنيا أحدا، ولا يحزنون على فوات شئ منها، لأن الولاية والمعرفة منعهم من ذلك، فهم لقربهم من الله، ونصر الله لهم على النفس والشيطان، لا يخافون ولا يحزنون بذلك، وهذا إنما يصح فى خواص المؤمنين، وأما إذا فسرنا الأولياء بالمؤمنين المؤدين للفرائض، المجتنبين للمعاصى، فذلك فى الآخرة، لأنهم لا يخافون فى الدنيا من خوف وحزن، لأنها مخلوقة على نكد وهم وغم، قال بعضهم: الآية مجملة فسرت بقوله:
{ الذِينَ آمنُوا وكانُوا يتَّقونَ } فيكون منصوبا، أو مرفوعا على المدح، أعنى الذين، أو هم الذين، أو نعت لأولياء، وعلى أنهم غير الأولياء المذكورين يكون مبتدأ خبره { لَهم البُشْرى } وقيل: { الذين آمنوا وكانوا يتقون } بيان لتوليهم الله، وقوله: { لهم البشرى } { فى الحَياةِ الدُّنيا وفى الآخرةِ } بيان لتوليه إياهم، أما البشرى فى الدنيا فهى تبشيرهم فى القرآن، وأمره الله بتبشيرهم، مثل:
{ { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم } الخ و: { { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا } الخ { { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار } } { { وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيراً
}. وعلى لسان نبيه عموما وخصوصا وتبشير الملائكة لهم بالجنة عند الموت، وفى الرؤيا الصالحة، وفيما بمنح لهم من المكاشفة، وفى الثناء عليهم من غير تعرضهم له، بل يخلصون لله ويخافون، فيضع الله لهم المحبة فى قلوب الخلق، ويفيض نور قلوبهم على وجوههم، وفى حديث عن أبى ذر: "إن ذلك عاجل بشرى المؤمن" .
وروى أبو الدرداء، وعبادة بن الصامت، وعمران بن حصين، وابن عباس، وأبو هريرة، وابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها الرؤية الصالحة يراها المؤمن أو ترى له
"
. قال عمرو بن دينار: "قدم علينا فقيه من أهل مصر، فسألته فقال: سألت أبا الدرداء؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رؤيا المؤمن الصالحة يراها أو يرى له" وما سألنى عنها أحد غيرك منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروت عنه أم كرز: ذهبت النبوة، وبقت المبشرات يعنى الرؤيات، وورد أنه إذا قرب الزمان لم تكدر رؤيا المؤمن كذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا، وأن رؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، خصت بالمسلم لأنه الذى تفرغ قلبه لله، فما رآه أو رئى له فمن الله، والمعنى أنها تأتى على موافقة النبوة، أو أن فيها إخبارا بغيب لا جزء من النبوة حقيقة.
ووجه العدد أنه صلى الله عليه وسلم رأى الوحى فى المنام ستة أشهر، وفى اليقظة عقب ذلك ثلاثا وعشرين سنة على الصحيح، وستة الأشهر جزء من الستة والأربعين جزءا المنقسم إليها الثلاث والعشرون، وعلى كل حال فأمر الرؤيا متأكد.
وقد تكون الرؤيا تخزينا من الشيطان، وقد تكون مما يحدث المرء نفسه، وتفسير البشرى فى الحديث بالرؤيا الصالحة يحتمل أن يكون تمثيلا، ولذا جعل الثناء من البشرى العاجلة، فنص على أن البشرى العاجلة على أقسام منها هذا.
وأما رواية أبى هريرة: لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة، فمعناها من المبشرات الغيبية كالنبوة، وقول بعض: إن الرؤيا جزء من النبوة فى حق الأنبياء دون غيرهم صحيح، على أنه أراد أنها جزء منها حقيقة، والأنبياء يوحى إليها فى المنام، كما يوحى إليهم فى اليقظة، بل وحى بعضهم رؤيا فقط.
والبشرى فى الآخرة، والبشرى فى الجنة بعد الموت زيادة على البشرى قبلها، زيادة فى الفرح، ولأنه ينسى للهول، وبياض الوجوه، وإعطاء الصحائف بأيمانهم ونحو ذلك.
{ لا تبْدِيلَ لكَلمات اللهِ } لا خلف لمواعيده مما أنزله على رسله، وما لم ينزله، وهذه تهنئة للمؤمنين تتضمن تهديدا للكافرين، إذ يلقون وعيدهم لا محالة، وعن ابن عباس، وابن عمر: المراد كلمات القرآن، أطال الحجاج الخطبة وقال: إن عبد الله بن الزبير قد بدل كتاب الله، فقال له ابن عمر: إنك تطيق ذلك أنت لابن الزبير، لا تبديل لكلمات الله، فقال له الحجاج: لقد أعطيت علما.
{ ذَلِكَ } المذكور من البشرى فى الدنيا والآخرة، أو ما يقع به التبشير { هو الفوز العظيم } ومعنى تسمية جار الله هاتين الجملتين المعترضتين مع أنهما لم تقعا بين متلازمين، كالفعل والفاعل، والفعل والمفعول، لأنهما ليستا من جنس ما قبلهما، لكن جئ بهما تتميما له وتقوية، وهذا ما ظهر لى، فليس من الاعتراض النحوى.