التفاسير

< >
عرض

وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ
٧١
-يونس

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ واتْلُ } اقْرأ { عَليْهم } أى على كفار مكة وغيرهم { نَبَأ } خبر { نوحٍ } مع قومه لتهددهم به، وتعظهم للتسلى به { إذْ } بدل من نبأ بدل اشتمال، باعتبار الجملة المضاف هو إليها بعد { قالَ لقَومِه يا قَوْم } هم بنو قابيل فيما قيل، والواضح أن فيهم سواهم، لكن الكل كفار.
{ إنْ كانَ } أى هو، أى الشأن ومقامى فاعل كبر، ويجوز كون مقامى اسم كان، وفى كبُر ضميره، لأنه فى نية التقديم، ولا بأس بتأخيره الاسم عن الخبر الفعلى، إذ لم يكن ليس أو كان زائدة { كَبُر عَليْكم } ثقل عليكم وشق { مَقامِى } لبثى فيكم مدة طويلة بألف سنة إلا خمسين عاما، وكان كلامه عليه السلام هذا فى آخر المدة فيما قيل، وقيل: إنه لم يتعرض لهم بعد الأمر باتخاذ السفينة، أو مقامى نفسى كما يقال: إلى حضرة فلان، وإلى جناب فلان، وفعلت كذا لمقام فلان، أى لفلان وإلى فلان، ومنه:
{ { ولمن خاف مقام ربه } أى خاف ربه، أو قيامى على الدعوة وعلى رجلى كعادة الخطباء.
{ وتَذْكِيرِى } إياكم أى وعظى { بآياتِ اللهِ } حججه وبيناته { فَعَلى اللهِ } لا على غيره { توكَّلتُ } وهذا نائب عن جواب محذوف، أى فافعلوا أى ما شئتم من ضر، أو فلن أبالى بضركم، ودل على ذلك أن من شق عليه من إنسان أمر يعاقبه.
{ فأجْمِعُوا } بقطع الهمزة وكسر الميم عند نافع وغيره { أمْركُم } أى فأحكموا أمركم، واعزموا عليه، يقال: أجمع أمره أى أحكمه وعزم عليه { وشُركاءكُم } مفعول معه لا معطوف على أمركم، لأن أجمع بالهمزة لا يتعلق بالذوات كالشركاء، بل بالمعاني كالأمور، تقول: أجمعت رأيى، ولا تقول: أجمعت شركائى لنقسم ما اشتركنا، ويجوز العطف بتقدير مضاف، أى وأمر شركائكم، وأن يكون مفعولا لمحذوف، أى وأجمعوا شركاءكم بوصل الهمزة وفتح الميم من جمع الثلاثى، فإنه يتسلط على الذوات والمعانى، أو ادعوا شركاءكم، كقوله: علفتها تبنا وماء.
وفى مصحف أبىّ فأجمعوا أمركم، وادعوا شركاءكم، وهو دليل على تقدير ادعوا، وقرأت فرقة وشركائكم بالخفض، وأمر شركائكم كقوله:

أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا

أى وكل نار، وهو دليل على عطف شركاء بالنصب على أمركم بتقدير مضاف كما مر، وقرأ أبو عبد الرحمن، والحسن، وعيسى، وسلام، ويعقوب، وأبو عمرو، وفى رواية ضعيفة عنه بالرفع عطفا على الواو، لوجود الفاعل، وهو دليل النصب على المعية فى قراءة النصب، وقرأ الأعرج، وأبو رجاء، وعاصم فى رواية، والجحدرى، والزهرى، والأعمش، ونافع فيما روى عنهم الأصمعى: فاجمعوا أمركم وشركاءكم بوصل الهمزة، وفتح الميم، ونصب الشركاء عطفا على أمركم بلا تقدير من جمع كذا إلى كذا، أمرهم أن لا يألوا جهدا فى إهلاكه، فإنه واثق بالله، غير ميال بهم، وإنما أمرهم أن يستعينوا بالأصنام تعجيزا لها، وتهكما عليهم، إذ اعتقدوا أنها تضر وتنفع.
{ ثمَّ لا يَكُن أمْركُم عَليْكم غُمةً } ظاهرة أنه نهى الأمر أن يكون غمة عليهم، والمراد نهيهم عن أن يحولوا أمرهم مستورا عليهم، أى على بعضهم، يعنى اعملوا كلكم فى أمركم الذى تكيدوننى به، واعملوا به كلكم، وأشهروه أو نهيهم عن أن يجعلوا أمرهم غمة عنه عليهم، أى سراً مقصورا عليه، مستورا عنه، ويجوز أن يكون المراد بالأمر حالهم فى حياتهم، والغمة الغم والهم، أى أهلكونى فلا تكون معيشتكم منغصة عليكم بتذكيرى ووعظى، وعليكم حال من غُمة أو متعلق به.
{ ثم اقْضُوا إلىَّ } أى امضوا فى الأمر الذى تريدونه من إهلاكى، وأوصلوه إلىَّ، ويجوز أن يشبه هلاكه بدين يرونه حقا عليهم، كما يرى الرجل قضاء الدين واجبا عليه، ورمز لذلك بلفظ القضاء، فيكون ذلك من الاستعارة بالكناية، كذا ظهر لى، وقرئ ثم افضوا إلىَّ بالفاء أى انتهوا إلىَّ بشركم، أو اخرجوا به إلى الفضاء، كقولك أصحر الرجل أى خرج إلى الصحراء، والمراد أظهروه إلىَّ، ومن ذلك قولى فى عدو:

فإن كان مصحراً إلىَّ بسيفه فإنى لمصحر إليه ومسحر

أى خارج إلى الصحراء فى شأنه، وخارج لذلك سحراً مبكراً.
{ ولا تُنْظرونِ } لا تمهلونى ولا تأخرونى، فلست مياليا بكم.